تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


رحل آصف عبد الله.. والصخرة التي اعتاد رفعها كل يوم للقمة.. استقرت الآن

ثقافة
السبت 16-2-2013م
محمد حسين

من يعرف آصف عبد الله عن قرب يعرف جيداً أن القلب الذي خبأه بين أضلاعه لم يكن سوى «قلب طفل» وأن جسده النحيل كجذع شجرة ملفوفاً بعباءة الحلم الجميل أدمن عشق الحرف فكانت حياته رحلة للعذاب الأجمل «رحلة نهر «من المنبع إلى المصبّ..

نهر يحلم بأن يكون حصاناً.. شجرة.. «فالوقت من رمل» والابتهالات نشيج لا بد منه كي تكتمل دائرة الإبداع لديه ساكباً دمه على الأنثى في حالة عشق ملتبسة تضيع فيها المعالم بين العاشق والمعشوق ليصبحا في مرآة التصوّف الأدبي المبدع...‏

من يعرف آصف عبد الله الشاعر والقاص.. من يعرف آصف عبد الله الأديب وكاتب قصص الأطفال.. يعرف أن كل ما سبق ليس مجرد إنشاء جميل.. بل هو بعض «كلام» منه ومن عناوين كتبه.. وأعتقد أنه لو سمع هذا الكلام لرسم ابتسامته المعهودة على محيّاه ودارها خجلاً كطفل اقترف إثماً لا قدرة لنا على تحمّلها أو تحمله...‏

من يعرف آصف عبد الله.. يعرف معنى الوفاء في أبهى تجلياته فهو الزوج ورب العائلة.. يحملها على كتفيه في رحلته من قريته الصغيرة «مطرو» إلى حمص ليعمل مدرساً في مدارسها ومن ثم إلى دمشق مروراً بتجربة الغربة في اليمن السعيد فهو المعيل والطبيب وصانع الأحلام والأب الحنون الذي يعبّد الطريق بالأفكار النبيلة بعد أن يشقها بقلمه ويلونها بألوان قوس قزح.. ليسلكها الصغار دون خوف أو توجّس أو قلق.. قائلاً: ها هو الطريق فاصنعوا عوالمكم كما تريدون وكما تشتهون بالريشة والقلم والكاميرا والموسيقا..‏

آصف عبد الله.. رسم طريقاً ومشى عليه وأراد لنا أن نمشي خلفه مع حازم وراسم ونشوان.......‏

آصف عبد الله في تجربته مع الأطفال لم يكن يريد لنفسه سوى أن يكون جسراً ليعبره أطفاله وجميع الأطفال نحو مستقبلهم الذي يريدون.‏

ولأني أعرف آصف عبد الله الشاعر عن قرب أستطيع القول أن «الحرف «كان عذابه الأوحد وأن قصيدته التي كان يكتبها لم تكن سوى أنشودة مطرّزة بعبق الروح الندية يصوغها طفل عابث يتنقل بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر متماشياً مع عصره عاكساً قلقه الشخصي المتناغم مع القلق العام في مرآة الإبداع.. والصورة لديه طفولية غامضة لا تكتمل إلا لدى القارئ..‏

رحل آصف عبد الله والصخرة التي اعتاد أن يرفعها كل يوم للقمة مثل «سيزيف» استقرت الآن بعد أن توقف قلبه عن الخفقان عاجزاً عن تحمّل ما يجري في بلدنا من مآس وبعد أن دارى خجله منا بغيبوبة لم تستمر سوى أيام معدودة....فرحل.‏

ولأن الشعر لدى «آصف» هو اليقين.. ولا يقين بعده تتساقط القناعات كأوراق الخريف على عتبة الأحلام فتورق الروح بأوهام الوجود والعدم الحياة والموت.. وتزهو العبارة لديه بصور بليغة كطفل يخطّ على الريح سيرة أناه المعلقة على أحرف من بياض...‏

ليس الجسد يقيناً آخر‏

اهتزّ اليقين‏

ارتعشَ‏

وسقط‏

سقط في خبر كان !‏

هل تحتمي بجثته النسور الجائعة ؟!‏

إذن ستبقى تحوم في سماءٍ سراب‏

لا.........لا أنتظر أحداً على ناصية حزني‏

هو الحزن يقتنص عصافيرنا من أعالي الفرح‏

ونحن نخلع أعناقنا كي ندخل المملكة المحرّمة‏

أتريد الباصرة أم البصيرة ؟‏

لو اخترت الباصرة, إنها تقودك إلى ((..........))‏

لو اخترت البصيرة لقدت باصرتك !!‏

أنختار ؟!‏

(حريتك أن يُختار لك)‏

ألا تحتمل.... تسأل يقينك ؟!‏

لن تجده.. لقد عادت يداك عاريتين‏

مليئتين‏

بوهم يزدهر‏

وعاد الانتظار حافياً حيث مكث على ناصية الصبر‏

لا تبك يقيناً ميتاً, ولا تكفنه بالدموع‏

(ليس الجسد يقيناً آخر)‏

احفن قبضة رملٍ‏

اضغط.... اضغط‏

ليس لديك سوى زيف يراوغُك‏

خادع شهوتك‏

واخرج من الهيمنة لتدخل الجحيم المقدس‏

وإذا كان الحرف عذابه الأوحد فالحزن هوايته المفضّلة وبين هذا وذاك يبحث عن «الخلود» بمعناه الفلسفي فيحضر الموت كشخص محتفى به لكنه يغيب في الوهم سريعاً.‏

ويبقى السؤال الأبدي من أين أتينا وإلى أين نذهب كحقيقة «وجودية» صارخة ملتبسة لا جواب لها... إلا الموت نفسه.....‏

ومن ديوانه «عليك أيتها الأنثى ألقي دمي» قصيدة «في برزخ المنتهى» نقتطف هذا المقطع الرائع....‏

أبارك هذه الزلزلة...‏

انبثاق النشيد؛‏

صاعداً صوتك‏

أشجار‏

دمي‏

أبارك وقتك‏

افتحي هذا المدى,‏

وامشي على ماء حلمي.‏

أنا وردة العشق‏

تنام في باب العارف‏

أعاينُ الباب!‏

من أين أجيء إلى أناي,‏

وكيف أدخلُ نبوءة الجسد؟!‏

أي حجابٍ يأوي إليّ‏

أقول للخطوات المرتبكة‏

اكتشفيني...‏

هذه حروفي‏

رتبتها‏

وازرعيها‏

في بياض النرجس‏

أشيد فيكِ، أيتها العبارة، منزلي‏

أنزليني المقام المحتجبَ واحتجبي..‏

مدائح الشعراء هلامٌ فوق برج الوهم,‏

فامكثي فيّ‏

أمكث في احتجابك,‏

أخطو في بذرتك متطامناً‏

لحضورٍ هالكٍ‏

لأتجاسر‏

فأعبر سقوطي..‏

أقول:‏

عليك السَّلامُ‏

وعليّ ما تكسر من القلب.‏

أيها الحزنُ..‏

يا أنا !‏

لا تتركيني وحيداً في بيت الجسد‏

نتعشى نوافذه معاً..‏

نستضيء ببابه !‏

يا أنا / أيها الحزن‏

كيف توحّدنا في وليمة زائلة !‏

وأين سنقيم بعد هذا العشاء الطويل ؟!‏

فردوسٌ جسديٌ لكِ..‏

ثمارُه لا تذوي,‏

هي التي تقطفني..‏

دعيني برهة دهرٍ‏

في برزخ المشتهى‏

ثمّ،‏

إلى حتفٍ لأبدي،‏

قودي خطاي !‏

خشوعُ شجرة في محراب الشتاء‏

خشوعٌ عار ٍ..‏

اغفري هذا التّلجلُجَ‏

يداكِ حنانُ أم ٍ لطفولتي.‏

ارتعاشات الأوراق..‏

أغانيها الأخيرة الهامسة..‏

هبوطها، بهدوءٍ، إلى حتفها‏

آهٍ..‏

أيها الموت الجليل‏

افتح ذراعيك لأوراقي..‏

لكنها‏

ستتركُ همسها العالي‏

فوق مشيئتك‏

فَلْتَنْحَن ِ قليلاً,‏

وليرقّ قلبك.‏

يوماً ما,‏

سنمضي..‏

لستُ أدري‏

إلى أين ؟!‏

سننفصل إلى الأبد !‏

بل‏

سيبدأ وهمٌ آخر..‏

أو حقيقة أخرى..!‏

هناك‏

تبدأ وليمة مستترة‏

ونصف الوهم‏

يهيمُ في الوهم‏

وستتحدثون عن الغياب‏

دون أن تدركوه !!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية