تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


سورية .. المحبّة والسلام

شؤون سياسية
السبت 16-2-2013م
د. عيسى الشماس

لم يكن تنصيب البطريرك / يوحنا العاشر يازجي/ بطريركاَ لإنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، في دمشق ، الأحد ( 10/2/2013)، حدثاً عابراً وعاديّاً ، كما يحدث في تنصيب البطاركة، بالنظر للظروف التي تمرّ بها سورية خاصّة ،

والمنطقة العربيّة عامّة ، ولا سيّما بالنسبة للمسيحيين بعد ما جرى في العراق ومصر، والآن في سورية، تحت مسمّى ( الأقليات ) بما يحمل من معان طائقيّة عنصرية تضليلية، هدفها تفتيت وحدة المجتمع ، وزعزعة الأمن والاستقرار، خدمة للمشروع الصهيو-أمريكي.‏

لقد سبقت حفل تنصيب البطريرك / يوحنا العاشر/ مسيرة وطنيّة أعبقت الصلاة المسائية، في اليوم السابق (السبت 9/2/2013)، من كنيسة الزيتون في باب شرقي إلى ساحة باب توما بدمشق، وشاركت فيها الجماهير الوطنيّة من الطوائف السورية على انتماءاتها المختلفة، السياسيّة والدينية (وهي تحمل الشموع المغلّفة بدعاء الأمن والأمان إلى سورية).‏

وجاء حفل التنصيب البطريركي حدثاً إضافيّاً مميّزاً، اتّسم بالتعبير الصادق عن وحدة الشعب العربي السوري، بمسيحييه ومسلميه، في موقف واضح وصريح يكشف حقيقة ما تدّعيه تلك الفئات المتآمرة المأجورة، وعصاباتها الإرهابيّة المرتزقة، التي تحاول تشويه صورة الوطن وتماسك وحدته الشعبيّة، في إطار التلاحم والتآلف والعيش المشترك، ضمن سياج المواطنة الأصيلة، وحصن الوطنيّة المنيع.‏

وليس أدلّ على ذلك من تلك المشاركة الواسعة في هذه المناسبة، الدينيّة بطبيعتها، الوطنيّة بأهدافها، فكانت التظاهرة رسميّة وشعبيّة معاً، في صورة لا أروع ولا أجمل، فالمسؤولون من أرفع المستويات في الدولة، جنباً إلى جنب مع رجال الدين المسيحيين والمسلمين، محاطون بعواطف ومشاعر الجماهير الغفيرة من أبناء الشعب السوري الشرفاء، من الفئات العقائدية والدينيّة المختلفة، يجمعهم الانتماء الوطني، فكانت تظاهرة سورية بكلّ ما تحمل من معان ودلالات.‏

وجاءت الكلمات التي ألقيت في حفل التنصيب، لتؤكّد عمق هذا الانتماء، وصلابة هذه الوحدة الوطنيّة، ضمن احترام روحيّة إنسانيّة الإنسان، وترسيخ قيم المحبّة والتآخي بين أبناء الوطن الأم، وبين أبناء الوطن الإنساني، بعيداً عن أي شكل من أشكال التمييز؛ فالكلّ أبناء الله وعباده ؛ والكلّ مكرّم من الله ، لأنّ الله محبّة ، ولأنّ الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله، ومن الحرام قتله، والواجب الإنساني والديني، يفرض احترامه وتقديره وعدم الاعتداء عليه أو الإساءة إليه. وهذا ما أكّده الكاردينال / مار بشارة الراعي/ بطريرك الطائفة المارونية، حيث قال: « إنّ كلّ الدعوات تحت مسميات الإصلاحات وحقوق الإنسان والديمقراطيّة، لاتساوي دم إنسان واحد يهدر.. كفى قتلاً للمواطنين الأبرياء.. سفكاً للدماء في سورية.. كفى تزويد المقاتلين بالأسلحة..».‏

وفي الإطار ذاته، دعا البطريرك /غريغوريوس اللحام/ بطريرك الروم الكاثوليكيين الملكيين ، إلى وحدة الشعب السوري من مسيحيين ومسلمين، في وجه المؤامرة، والعمل على خلاص سورية من محنتها لتخرج معافاة وأكثر قوّة وتماسكاً ممّا كانت ، تنعم بالأمن والاطمئنان والسلام، كما كانت عبر تاريخها الطويل. وهذا ما شدّدت عليه أيضاً كلمات ممثلي الكنائس المسيحيّة .‏

أمّا صاحب المناسبة ، المحتفى به غبطة البطريرك /يوحنا العاشر يازجي / فقد شدّد في كلمته على العيش المشترك والتعايش الأخوي بين أبناء الوطن السوري منذ فجر التاريخ ، وأنّ المسيحيين نسيج أساسي من المجتمع السوري ، والمجتمعات العربية الأخرى ، موجّهاً كلامه إلى المواطنين الحاضرين والغائبين، من مسيحيين ومسلمين قائلاً: « نحن أخوة في هذا الوطن ، لا يجمعنا العيش المشترك فحسب ، بل تجمعنا الشراكة في صناعة حضارة هذا الوطن وثقافته ، على مرّ التاريخ..» وعبّر عن أمله وتفاؤله بأن سورية ، قيادة وحكومة وشعباً ، ومن خلال الحوار الوطني البنّاء ،ونبذ العنف والإرهاب ، ستخرج من أزمتها منتصرة ، لتبني المستقبل الآمن المشرق . وستبقى دمشق قبلة الهدى والسلام ، لأنّها مهد المحبّة والسلام ، واستشهد في ذلك بقول فرنسي مفاده : « إنّ طريق دمشق ، طريق الهداية لمن يضلّ الطريق « . وهذا يذكّرنا برحلة بولص الرسول الذي اهتدى إلى المسيحيّة بعد دخوله إلى دمشق . كما يذكّرنا بقول رئيسة الكونغرس الأمريكي / نانسي بيلوسي / عندما زارت دمشق قبل أربع سنوات « إن طريق السلام يمرّ من دمشق ..» .‏

فمن يرى هذه التظاهرة الوطنيّة ، ويسمع تلك الكلمات المعبّرة عن الدعوة إلى المحبّة والتآخي والسلام ، ويقارنها بتلك الدعوات التي تبيح القتل والتخريب ، وزرع الفتنة بين أبناء الوطن السوري ، يدرك تماماً أين هو موقع سورية ، ولماذا تشتدّ عليها المؤامرة ؛ ويعرف تماماً حقيقة الشعب السوري وجوهره الوطني والإنساني ؛ ويستنتج بالتالي ما طبيعة هذا الفكر التكفيري الظلامي الوافد ، وأهدافه الغريبة عن ثقافتنا وحضارتنا ، والبعيدة عن قيمنا الروحيّة وأصالتنا الإنسانية .‏

ولكن ، على الرغم ممّا أفرزته هذه الأزمة ، فإنّ سورية ستبقى سورية بأصالتها وحضارتها التي قدّمت للعالم أول اللغات وأفضل العلوم والأخلاق؛ وسيبقى الشعب السوري بأصالته وانتمائه الوطني / الإنساني، لا يعرف التمييز والتعصّب ، بل يدين بالولاء للوطن وبالإيمان بالله ( الدين لله والوطن للجميع ) على قاعدة ثلاثيّة الأبعاد ( المحبّة والتآخي والسلام)، تؤدّي إلى العمل الصالح لخدمة الوطن وأبناء الوطن ، وأبناء البشرية جمعاء ..؛ فهل يدرك هذه الحقيقة الأزلية ، أولئك الذين يراهنون على سورية والشعب السوري ، وينطقون باسمه زوراً وبطلاناً ..؟ ألا إنّهم هم الخاسرون ..!!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية