تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ماتياس إينار: مايحدث في العالم العربي أسمّيه خريفاً

فضاءات ثقافية
الخميس 16-1-2014
علاقته بالثقافة العربية ليست علاقة بيولوجيّة ولا تاريخية أو جغرافيّة، بل إن الكيمياء هي التي جمعت بينه وبينها، حين قرّر أن يتعلّم اللغة العربية لعلّه يكتشف بعضاً من غموض الشرق وسحره. أحبّ أن يتعمّق في دراسة «فنّ الإسلام»،

فوجد نفسه حائراً بين الثقافتين العربية والفارسية. تعلّم اللغتين وانتقل من باريس إلى طهران، ومن ثمّ إلى القاهرة فصنعاء وبيروت ودمشق... ماتياس إينار الحائز جوائز أدبية عدة لم يعد غريباً عن الشرق الحاضر في أكثر من رواية له. ولم يعد يعتبر نفسه غريباً عن «شرقنا»، فاللغة التي يُتقنها ويُدرّسها منحته هوية إضافية وجعلته موجوعاً لأوجاع هذه المنطقة ومتألماً لأحوالها. عن رواياته ومشاريعه وترجماته ونظرته إلى «الربيع العربي» وموقفه من الثورات وغيرها من القضايا، يتحدّث ماتياس إينار في هذا الحوار خلال زيارته الأخيرة لبيروت لمناسبة صدور ترجمة عربية لروايته «شارع اللصوص» (ترجمة ماري طوق - دار الجمل):‏

- ماذا يعني لك أن تترجم روايتك «شارع اللصوص» إلى العربية، لا سيما أنها لغة تُتقنها؟‏

-- لاشكّ في أنّ ترجمة أعمالي إلى لغة أخرى أمر يهمني جداً، وخاصة إلى العربية التي تربطني بها علاقة قوية جداً. وهو أيضاً أمر مهم على المستوى العام لأنّه يساهم في تعزيز التبادل الثقافي بين الدول، وفي تكريس الأدب الفرنسي عند العرب. وأتمنى أن تشهد حركة الترجمة من العربية إلى الفرنسية تطوراً أكبر حتى يتمكن القارئ الفرنسي من أن يتعرّف إلى أكبر كمّ من الأعمال الإبداعية المكتوبة باللغة العربية حديثاً.‏

-هل قرأت الترجمة العربية لروايتك «شارع اللصوص»؟‏

-- أنا سعيد جداً بهذه الترجمة التي أنجزتها ماري طوق ونُشرت عن دار الجمل، وهي بالمناسبة مترجمة ممتازة سبق أن ترجمت روايتي «زون» إلى اللغة العربية. وبصراحة لم أقرأ الرواية بترجمتها حتى النهاية، لأنني أجد صعوبة في إعادة قراءة أعمالي، لكنّ ثقتي بماري كانت كبيرة، وهي لم تُخيّب ظنّي.‏

- درّست اللغة العربية لسنوات في جامعة برشلونة، وترجمت منها كتاباً واحداً إلى الفرنسية. كيف بدأت علاقتك مع هذه اللغة؟‏

-- إنها علاقة غريبة وغامضة أساسها الصدفة البحتة. وعلى خلاف ما يعتقد الكثيرون من أنّ سبباً بيولوجياً جعلني أتقرّب من العربية، بدأت علاقتي مع هذه اللغة في الجامعة وتحديداً أثناء دراسة مادة «فنّ الإسلام». فلا أواصر عائلية لي أو عرقية أو جغرافية مع الثقافة العربية، لكنني أحببت أجواء هذا العالم الذي بدا ساحراً وجذاباً في نظري. أردت أن أتعمّق في دراسة «فنّ الإسلام»، فنصحتني معلّمة هذه المادة بضرورة تعلّم الفارسية أو العربية لكي أزيد فهمي بهذا الفنّ. وقبل أن أقرّر أي لغة سأختار، انتسبت إلى صفيّ العربية والفارسية، فأحببت اللغتين واخترت أن أتعلمهما. سافرت بعد ذلك إلى إيران ودرست في جامعة طهران، وانتقلت من ثمّ للعيش في أكثر من عاصمة عربية حيث تعلّمت مختلف اللكنات واللسانيات، من القاهرة إلى دمشق وبيروت.‏

- ما الذي تغيّر في نظرتك إلى العالم العربي بعدما اقتربت منه واكتسبت لغته وتعمقت في دراسة حضارته؟‏

-- كانت نظرتي إكزوتيكية كتلك التي يمتلكها معظم الغربيين عن العالم العربي، وهي نظرة تعود إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ولكن بعد أن زرت وسكنت عواصم عربية عدة، اكتشفت أن الواقع يختلف كلياً عن النظرة المتخيلة عنه. فالناس هنا تجاوزوا فكرتنا عنه، وهم أكثر حداثة ممّا نعتقد. الشرق عن كثب ليس كتاب «ألف ليلة وليلة»، كما نتصوّره في الغرب... ومع هذا، أحببته وأحببت الناس الموجودين فيه. وأحياناً أشعر بأنني شرقي إلى حدّ ما.‏

- الراوي في «شارع اللصوص» هو شاب عربي اسمه لخضر، وقد تطرّق إلى الأحداث العربية المستجدة في أكثر من دولة عربية. فهل ترى إلى ما يحدث اليوم باعتبار أنّه ربيع عربي حقيقي؟‏

-- أعتقد أنّه صار معروفاً لدى الجميع أنّ ما يحصل اليوم هو خريف عربي. فالثورات هدفها الأساسي هو التغيير، لكنّ المرحلة التي تليها هي أيضاً في الأهمية نفسها. أمّا الثورات العربية فأحدثت تغييرات معينة، إلاّ أنها لم تُكمل طريقها وكأنها ولدت لكي تُحدث هذا التغيير وتنتهي من حيث كان يجب أن تبدأ. فالجزء الأصعب في الثورات هو الاستمرار من خلال العمل على بناء الدولة الجديدة ووضع الدستور المناسب، وإعداد آلية الحكم واختيار هيئة النظام الجديد، مع التخطيط من أجل تأمين حاجات الشعب وتنظيم البلد ورسم المشاريع التنموية المستقبلية... وهذا كلّه يحتاج إلى صبر ووقت طويل وخطة عمل، لكنّ المشكلة هي في الإعلام، وأعني هنا الإعلام الغربي الذي تناسى كلّ شيء وأخذ يُهلّل لما كان يحدث، وكأنّ الثورة «العظيمة» حدثت فعلاً وحققت أهدافها واستعادت الشعوب حقوقها. والضياع الذي عمّ بُعيد ثورتيْ مصر وتونس خير دليل على ما أقول. أمّا الواقع السوري اليوم فهو أشبه بالكارثة، بل إنّه كارثة حقيقية. فأنا عشت في هذه الدولة الجميلة ويعزّ عليّ ما يجري فيها. إنّه أمر لا يُصدّق، خصوصاً أنّ الحلّ القريب يبدو مستبعداً، وهذا مؤلم جداً. إنها حرب عبثية لاأعرف كيف السبيل للخروج من أنفاقها.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية