التي تسعى جاهدة للانضمام إلى التحالف المناسب لها ويأتلف مع تطلعاتها وبالتالي يعتبر الحزب فائزاً إن هو حصل على مقاعد أكثر من الحزب الآخر في الكنيست. كما ونجد بعضاً من المواطنين مازالوا يحنون إلى أيام كان فيها حزب العمل هو الحزب الكبير الأوحد الذي دأب على تشكيل ائتلاف يضم في صفوفه عدد من الأحزاب الصغيرة.
ذلك ما كانت عليه الأوضاع سائدة في السنوات الـ25 الأولى من نشوء دولة إسرائيل حيث كان حزب العمل يتولى الحكم في البلاد واستمرت الأمور على ما هي عليه حتى الانتخابات التي جرت (بعد حرب يوم الغفران) في شهر كانون أول عام 1973، حيث بدأت تظهر للعيان مرحلة جديدة تغلب عليها صفة المنافسة بين الحزبين الكبيرين الليكود والعمل اللذين كانا يبذلان قصارى مساعيهما للتوصل إلى قيادة البلاد لكن يتعين على الفائز منهما الحصول على 40 مقعدا من مقاعد الكنيست على أقل تقدير.
ينظر إلى الأربعين مقعدا، أي ما يعادل ثلث الكنيست، باعتبارها تشكل مرساة ثابتة وخيمة أمان لحماية الحزب الذي يحصل عليها إذ بها يمكنه تشكيل ائتلاف يحقق الاستقرار الذي يتطلبه أي حزب يقود الحكم في البلاد ويمكنه من تنفيذ برامجه وتحقيق أهدافه. أما حصول الحزب الفائز على أقل من أربعين مقعدا فإن ذلك سيجعله في وضع غير مستقر وقد لا يتاح له الاستمرار في الحكم جراء ما يتعرض له تحالفه من صعوبات وعراقيل طيلة فترة ولايته.
ذلك ما جرى في الانتخابات التي تمت عام 1996 حيث دلت نتائجها على تراجع كبير في عدد المقاعد لكل من حزب الليكود والعمل حيث بلغ عدد المقاعد التي فاز بها كل منهما أقل من 40 مقعدا واستمر الأمر على هذا المنوال حتى عهدنا الحالي، حيث ساد لدينا شعور بأن الأيام التي كان يحكم البلاد بها حزبان كبيران يسيطران على الساحة السياسية الإسرائيلية قد مضت وانقضت ومنذ ذلك الحين أخذنا نعيش حالة من عدم الاستقرار الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن الأسباب التي قادتنا إلى هذا الواقع؟
لقد جرت انتخابات عام 1996 وفقا لأحكام قانون جديد ينص على الانتخاب المباشر لرئيس الوزراء وذلك بهدف التوصل إلى توفير الاستقرار في الحكم. لكن ما حصل على أرض الواقع كان خلافا لذلك لأن هذا القانون قد جعل أعداداً كبيرة من الناخبين ينصرفون للإدلاء بأصواتهم لصالح الأحزاب الصغيرة على حساب الأحزاب الكبيرة. وفي تلك الانتخابات حصل حزب العمل على 34 مقعداً والليكود على 32 مقعداً. أما في الانتخابات التي تلتها عام 1999 وخضعت لنفس القانون فقد تبين بأن الحال كان أسوأ من الانتخابات التي سبقتها حيث حصل حزب العمل على 26 مقعدا والليكود على 19 مقعداً. ومنذ ذلك الحين لم يحصل أي حزب من الأحزاب الإسرائيلية على 40 مقعداً على الرغم من إلغاء قانون الانتخاب المباشر لرئيس الوزراء.
ثمة أسباب أخرى لما تعرض له الحزبان الكبيران من تراجع وضعف مطرد، أهمها ظاهرة انفردت بها الأحزاب الإسرائيلية حيث لوحظ بأن سياسيين قياديين في تلك الأحزاب قد قطعوا علاقاتهم بها على الرغم من أنهم قد شغلوا مواقع ذات أهمية لكنهم مع ذلك تخلوا عنها إما لأسباب تتعلق بخسارتهم في الانتخابات الحزبية المركزية أو لأن البعض منهم تولد لديه شعور بأنه أكبر وأكثر أهمية من الحزب الذي كان يقوم على قيادته او لاعتقاده بأن الحزب الذي كان يتولى قيادته قد انتهت مدة صلاحيته. وبعبارة أخرى أصبح لديه الشعور والاعتقاد بأن هذا الحزب سائر في طريقه إلى الزوال الأمر الذي شكل مؤشراً للناخبين بأن لا يضيعوا أصواتهم في انتخابهم لحزب في طريقه إلى الانهيار.
بعد الانشقاقات المتعددة التي قام بها كل من قادة الليكود والعمل على مدى السنوات الماضية حصل انفجار حقيقي في عام 2005 عندما أقدم أرئيل شارون زعيم حزب الليكود المنتخب على التخلي عن هذا الحزب وإنشاء حزب جديد باسم كاديما واستطاع إقناع إيهود أولمرت وشاؤول موفاز وتسيبي ليفني وتساحي هنغبي بترك حزب الليكود والانضمام إلى الحزب الجديد، واستطاع أيضا إقناع كل من شمعون بيريز وحاييم رامون وداليا إيتزك بالتخلي عن حزب العمل والانضمام إليه، وإزاء ذلك تمكن حزب كاديما من الحصول على 29 مقعدا في الانتخابات بينما حصل حزب العمل على 19 مقعداً والليكود على 12. ومنذ ذلك الحين أخذت الأمور تسير من سيىء إلى أسوأ. وها نحن الآن نشهد قيام اثنين من القياديين السابقين لحزب العمل وهما عمير بيريتس وأمرام ميتزنا يتخليان عن هذا الحزب لينضما إلى الحزب الذي شكلته تسيبي ليفني.
لا شك بأن ما حصل من انشقاقات للقيادات الحزبية يسهم إلى حد بعيد في عدم استقرار النظام السياسي الإسرائيلي وإن أياً من التغييرات المقترحة لن تفلح في انهاء ما يحصل من انشقاقات الأمر الذي يتطلب بالضرورة العمل على إيجاد قيادات تتمتع بالقوة والاخلاص والنشاط إلى جانب الإبقاء على الولاء التام منها للأحزاب المنتمية لها والاستمرار في هذا الولاء في مختلف الظروف سواء في حال الفوز أو الخسارة في الانتخابات الداخلية.