الحب سر ألهي من عاش محروماً منه عاش في ظلمات الوجود.. تتشرب به القلوب فتموت الأحقاد وتزول العوائق والفوارق..والإنسان الذي يحيا بالحب هو الذي يغور في ماضي الإنسانية حين لميكن للأنانية وحب الذات وجود ليعود بسر إدامة الحياة فيا ليت الحب يكون في سورية كالماء كالهواء كالغذاءكالرحمة الالهية لينشد ويغني الجميع بالحب من أجل النهوض ببلدٍ خال من الحسرات والدموع.
وبالرغم من الجدل الذي يتواصل سنوياً حول عيد الحب الذي يصادف يوم 14 شباط فإن لشؤون القلب مركزاً في حياة الناس وسيبقى الحب تاج العاطفة و سر الحياة الأكثر عمقاً وسيبقى أجمل المعاني وإن كان الحب لا يقتصر على يوم محدد ولا جغرافية محددة ولا على زمن دون آخر ولا على جنسية بعينها فهو ممتد منذ القدم وسيبقى عنوان الحياة وزوادتها وضوء القلوب والإبداع.
ومن يفقد الحب يغد في صفوف الأيتام نعم يتيم من لا يكون حبيباً أو محبوباً..ووحيد من لا يعرف انتفاضة القلب وارتباك العاشق و ارتعاش البرق في الروح.. يتيم تماماً من لم يتذوق الحب وموحشة هي حياته... كئيب من لم يلمس لهب الحب ومن لم يدخل ذلك الجنون البهي.
وطاغية يكون من يقتل عاشقاً أو عاشقة أو من يحجب الضوء عن الناس ومن يشرد المحبين ومن يزج بهم في السجون ومن يطلق النار على عشاق الحياة وعشاق الجمال وعشاق البهاء.
ليس غريبا أن عيد الحب قد جاء رداً على سياسة الحرب التي اتبعها الامبراطور الروماني «كلوديس» فقد عُرف بالماضي البعيد أن الرومان كانوا يحتفلون بعيد يدعى «لوبركيليا» في 15 شباط من كل عام وفيه عادات وطقوس وثنية حيث كانوا يقدمون القرابين لآلهتهم المزعومة كي تحمي مراعيهم من الذئاب وكان هذا اليوم يوافق عندهم عطلة الربيع إذ كان حسابهم للشهور يختلف عن الحساب الموجود حالياً ولكن حدث ما غير هذا اليوم ليصبح عندهم 14 شباط في روما في القرن الثالث الميلادي.
وفي تلك الآونة كان الدين المسيحي في بداية نشأته حينها كان يحكم الإمبراطورية الرومانية الإمبراطور «كلويديس الثاني» الذي حرم الزواج على الجنود حتى لا يشغلهم عن خوض الحروب لكن القديس (فالنتاين) تصدى لهذا الحكم وكان يتم عقود الزواج سراً و سرعان ما افتضح أمره وحكم عليه بالإعدام بعد أن عرض عليه الإمبراطور أن يعفو عنه على أن يترك المسيحية ليعبد آلهة الرومان ويكون لديه من المقربين ويجعله صهراً له إلا أن «فالنتاين» رفض هذا العرض وآثر المسيحية فنفذ فيه حكم الإعدام يوم 14 شباط عام 270 ميلادي ليلة 15 شباط عيد «لوبركيليا» ومن يومها أطلق عليه لقب «قديس» وبعد سنين عندما انتشرت المسيحية في أوربا وأصبح لها السيادة تغيرت عطلة الربيع وأصبح العيد في 14 شباط اسمه عيد القديس «فالنتاين» إحياءً لذكراه لأنه فدى المسيحية بروحه وقام برعاية المحبين وأصبح من طقوس ذلك اليوم تبادل الورود الحمراء.. وكان بذلك أن انتصر الحب واكتسبت رسالته الخلود في قلوب الناس وأذهانهم بينما دعاة الحروب والعدوانية وما تمثله من ضغينة كان نصيبهم دائما مزبلة التاريخ.
وفي بلادنا نشهد أدوات الحقد كل يوم وهي تحصد أرواح بناتنا وابنائنا بوسائل متطورة على يد الإرهاب لكن قوة الحب في قلوبنا وفي خيال شعبنا لايمكن قهرها ولايمكن تطويقها بل لا يمكن حتى إخفاءها فها هم يدعون الى التآخي فيما بينهم ويواصلون الغناء من أجل خير الانسانية رغم الجراح التي أريد بها قهر إرادتهم في مجرى الكفاح الذي لابد منه من أجل انتصار الحياة و الحب ..
لا أدري إن كانت روح القديس فالنتاين ستجد طريقها الى مضاربنا المحروسة بسدنة النواح والعويل ولا أدري إن كانت نسائم المحبة والسلام ستصمد أمام عواصف السموم المتخمة بالكراهية للأخر المختلف ولكن الذي أدريه إن ثورات الحب انتصرت بأيادٍ تقدم الوردة الحمراء للذين وجهوا أفواه بنادقهم الى صدور المحبين والعاشقين للحياة .
ولا أعرف هل يمكن للون الحب الأحمر الذي يزين تفاصيل الحياة في العالم يوم 14 شباط أن يغيب عن سوريةويحل محله الدم نفسه؟ لماذا يسيل دم السوري في الشوارع والبيوت والحارات؟ هل دماء الشعب أصبحت رخيصة الى هذا الحد؟ هل تخلفهم وإرهابهم أهم من دمع أم ثكلى أو صرخة رضيع يتيم قتل والده بأدوات إجرامهم هل لا يزالون يرون أنفسهم ظل السماوات على أرض الأبجدية الأولى؟ هل يتوقعون أن نغفر لهم أو تغفر له الأشجار أو نهر بردى ونهر العاصي أو نهر الفرات؟
لقد أبدع الشعب السوري وأثبت لنفسه وللعالم أنه شعب أبيّ يسطّر ملحمة في الشجاعة والتضحيات ويقدم أرواح الشهداء يوماً بعد يوم كبديل وردة حمراء من أجل حماية وطنٍ نعشقه.