إن من أهم أولويات السوريين على المستويين الرسمي والاهلي هو إعادة النظر بالسياسة الاقتصادية وبالتالي لابد من الوقوف في هذا المجال على الاولويات لأن مناعة الوطن تحتاج إلى مناعة في المجال الاقتصادي من خلال تأمين مستلزمات البناء وتحديداً في المجالات الاقتصادية ولذلك لابد من التركيز على الصناعة والزراعة باعتبارهما الحصانين اللذين يجران عربة التنمية في بلد مثل سورية تتوفر فيه امكانات كبيرة لتنشيط الزراعة وبالتالي تطوير الصناعة الزراعية في المرتبة الاولى ضمن قطاع الصناعات المختلفة موضحاً أنه على الرغم من أهميتها فإنها عرضة للتوقف وخصوصاً في الأزمات وعلى سبيل المثال فإن قطاع السياحة تعرض إلى ضغوط أدت إلى توقفه بشكل كبير بينما بقيت الصناعة والزراعة القطاعين الاساسيين اللذين حافظا على استمرار عملهما في الظروف الراهنة بوتيرة مقبولة جداً.
دعم الأقطان
وبالنسبة لقطاع الصناعات النسيجية يتفق جميع المهتمين في هذا النشاط على أنها صناعة استراتيجية تعتمد على زراعة القطن حيث هناك الأرض والمياه ومستلزمات الانتاج والايدي العاملة وهي محلية بشكل كامل وبالتالي تمتلك كافة المقومات لكي تكون هذه الزراعة في أفضل حالاتها وهذا ما هو حاصل حتى الآن وبما أن القطن هو المادة الاساسية للصناعات النسيجية إلا أنه لابد من الاشارة إلى بعض الملاحظات عن ألية التعامل مع هذا المحصول التي تؤثر على الاستفادة القصوى من القيمة المضافة لهذه المراحل حيث تتبنى المؤسسة العامة لحلج الأقطان وتسويق الاقطان من الفلاحين بسعر يحدد بناء على التكلفة مع هامش ربح وفي السنوات الاخيرة كان الدعم المقدم من خزينة الدولة لدعم السعر يزيد على (10) ليرات لكل كيلو واحد أي أن خزينة الدولة تتحمل دعم 600 ألف طن سنوياً بما يعادل (6) مليارات ليرة سورية كما أن المؤسسة العامة للأقطان تقوم بحلج الأقطان المحبوبة وتحويلها إلى قطن محلوج وينتج عن ذلك نحو 200 ألف طن قطن محلوج و 400 ألف طن بذور مشيراً إلى أن مرحلة تسويق الاقطان وحلجها مرحلة تحويلية بسيطة حيث يلاحظ أن المؤسسة العامة للاقطان في أحسن الحالات تكون أرباحها بحدود (5) مليارات وهذا لا يعادل مبلغ الدعم المقدم من خزينة الدولة.
تكلفة غير مبررة
وبين سعيد أن مؤسسة الاقطان تقوم ببيع القطن المحلوج إلى المؤسسة النسيجية ومعامل الغزل الخاصة بالسعر العالمي الذي يحدد بالدولار بعد تحويله إلى ليرة سورية وفق سعر الصرف بتاريخ تثبيت الشراء، بينما تبيع البذور إلى معامل انتاج الزيوت القطنية العامة والخاصة بأسعار ادارية وبدون الأخذ بعين الاعتبار أسعار السوق وبالتالي لم تحظَ هذه المسألة بالاهتمام الكافي بهدف تقييمها واعادة النظر فيها على أساس الجدوى الاقتصادية للوقوف على حجم الخلل الذي يؤدي - حسب رأيه - إلى ارتفاع تكلفة الاقطان بشكل غير مبرر لاسباب منها أن بذور الأقطان عندما تذهب إلى معامل انتاج الزيوت ينتج عنها زيوت بمعدل يقارب 20٪ فقط ويبقى 80٪ عبارة عن مخلفات البذور اضافة إلى مادة اللنت ذات الاستعمالات المهمة في عدد من الصناعات وبرأي هنا - الكلام لسعيد - يجب التوقف عند هذه النقطة بحيث تحصل شركات الزيوت على البذور بأسعار ادارية مخفضة لا تتناسب مع سعر السوق الذي يزيد في حالات كثيرة إلى مستويات تتراوح إلى ضعفين وحتى ثلاث أضعاف عن السعر الاداري وفي حال تم اعادة النظر بأسعار البذور تستطيع مؤسسة الاقطان أن تحقق عائداً مالياً يمكن أن يساهم في تخفيض تكلفة الاقطان المحلوجة بحدود تتراوح بين 20 إلى 30 ٪ مع الاشارة إلى أن هذه الأرقام والنسب هي تقديرية وبحاجة إلى تحليل ميزانيات مؤسسة الاقطان وشركات الزيوت العامة والخاصة.
ونتائج مرتقبة
وبين المدير العام للمؤسسة النسيجية أنه في حال الأخذ بعين الاعتبار هذا الحساب يمكن القول ان عملية دمج مؤسسة الاقطان مع المؤسسة النسيجية يمكن أن يعطي مزايا كثيرة منها أن خزينة الدولة لا تتحمل تكاليف دعم محصول القطن بحيث تتحمله المؤسسة الجديدة والتي يمكن لها أن توفر ما يعادل أو يزيد على مبلغ الدعم من خلال بيع البذور بأسعار السوق كما يتاح للمؤسسة الجديدة تخفيض تكلفة الاقطان من خلال ضبط عناصر التكلفة بشكل يسمح بالاستفادة القصوى من العمالة الموجودة في مؤسسة الاقطان على مدار العام، اضافة إلى أن تقسيم سعر الاقطان إلى شريحتين، الشريحة الاولى والتي تسعر بالليرة السورية وفق تكاليف الانتاج زائد هامش ربح مقبول بحيث توجه هذه الشريحة لاستخدامها كمادة أولية في صناعة الغزل لدى القطاعين العام والخاص أما الشريحة الثانية فيتم تسعيرها بالعملة الصعبة وفق مؤشر الأسعار العالمي بحيث توجه هذه الشريحة إلى التصدير إلى الاسواق الخارجية بعد تأمين حاجة السوق المحلية من الاقطان، كما يسمح هذا الاجراء «دمج المؤسستين» بتخفيض أسعار الاقطان المحلوجة للصناعة الوطنية كما يسمح باستقرار السعر على مدار العام وبالتالي التخلص من ظاهرة تغيير الاسعار وفق مؤشر سعر الصرف وتفاوتها بين الشركات والذي أصبح حاليا مشكلة كبيرة اثناء تقييم أداء الشركات المنتجة للغزول للوقوف على مدى التزام الشركات ببنود التكاليف المعيارية حيث أن فروقات أسعار الاقطان تساهم في تغطية كافة عيوب الانحرافات في التكلفة وفي البنود الأخرى.
هامش ربح مشجع
وأوضح مدير المؤسسة أن الدمج يساهم في تحقيق هامش ربح مقبول وبالحد الادنى تغطية تكاليف الانتاج وبالتالي سحب حجة خسائر شركات الغزل التي تتراكم من عام إلى اخر بسبب تفاوت وارتفاع التكلفة بين الشركات مقارنة بالاسعار وأخيراً وفي هذه الحالة تكون خزينة الدولة قد وفرت مقدار الدعم الحكومي لمحصول الأقطان من جهة كما ضمنت عدم تعويض خسائر شركات الغزل التي تزيد عاماً بعد عام بسبب الواقع الراهن أما لجهة شركات الغزل فإننا نرى أن تسعير الغزول بالليرة السورية وفقاً لمعادلة التكلفة المضبوطة زائد هامش ربح بسيط يساعد شركات النسيج العامة والخاصة على ثبات عنصر التكلفة للمادة الاولية للغزول وتخفيضها ما يساهم في تشجيع وزيادة فرص شركات النسيج العامة والخاصة بتأمين حاجة الصناعات للألبسة الداخلية أو الجاهزة وكافة المنتجات الاخرى التي تلبي حاجة المستهلكين في السوق الداخلية والخارجية بأسعار منافسة مع فرصة تعظيم القيمة المضافة وخصوصاً أن سلسلة هذه الصناعة تمتد عمودياً وأفقياً وتؤمن فرص عمل وفق متوالية عددية تعطي نتائج ممتازة على المستوى الاقتصادي والاجمالي وتساهم في خلق المزيد من الصناعات المساعدة في مجالات لوازم هذه الصناعة مع الاكسسوارات التي تميزت بها سورية والتي بينت التجربة أن غياب البيئة المناسبة لهذه الحرف قد أدى إلى تراجعها بشكل كبير ما يستوجب اعادة النظر بآليات تأمين البيئة المناسبة وإعادة احياء هذه الحرف بما فيها مشاغل الألبسة الحرفية أو مصانع الألبسة الكبيرة.
وأضاف سعيد أن تحليل القيمة المضافة في سلسلة هذه الصناعة يعطي صورة واضحة جداً للمهتمين في هذا الشأن وبرأي المؤسسة النسيجية أن هذا الأمر يحتاج إلى مراجعة شاملة للوقوف على متطلبات تعظيم القيمة المضافة والتي يمكن أن تزيد على (10) أضعاف بحيث يمكن التعبير عن هذه الصورة من خلال القول ان قيمة الاقطان السورية السنوية في سورية بحدود (30) مليار ليرة سورية يمكن أن تعطي انتاجاً اجمالياً في حال الاستفادة من تصنيع كافة الاقطان والغزول وتوفير مقومات توسيع هذه الصناعة وتنويعها سواء بالقطاعين العام والخاص أو من خلال شراكة مبنية على أسس صحيحة تحقق مصالح جميع الاطراف وبما يخدم مصلحة الاقتصاد إلى ما يزيد على مبلغ يتراوح ما بين 300 إلى 400 مليار ليرة سورية.