وتؤكد دراسات تاريخية عديدة بأن للمتحف الفلسطيني دوراً بارز اً في الحفاظ على التراث الثقافي للشعب الفلسطيني على مر العصور من جهة إضافة إلى دور في صناعة الحضارة البشرية وصيرورتها. حيث استأثرت المتاحف بالآثار الفلسطينية الدالة على عروبة فلسطين وهويتها. وتشير الدراسات الى أنه قد تمَّ تأسيس عدة متاحف أثرية في فلسطين إبان فترة الانتداب البريطاني (1922ـ 1948)، كان من أهمها: متحف الآثار الفلسطينية في مدينة القدس، ومتحف صغير في قلعة عكا التي تحطمت على أبوابها الهجمات الصليبية، وقد أقام المجلس الاسلامي الأعلى متحفاً في جامع عمر قرب المسجد الاقصى في القدس. وقد أنشئ متحف الآثار الفلسطينية بادئ الامر في بناية تخص آل قطينة في منطقة سعد وسعيد؛ وفي سنة 1927 قدمَّ روكفلر الى حكومة الانتداب البريطاني مبلغ مليوني دولار. ليصرف نصفها في بناء متحف، وتوقف باقي القيمة لينفق ربعها على صيانته. وتم بناء المتحف عام 1935 في بستان كبير مزروع ازهار وخلفه حديقة كبيرة مسورة ومزروعة. ونقلت الآثار من المتحف القديم الى البناء الجديد. والمتحف هذا مكون من ثلاث صالات عرض وأربع غرف ومكتبة وغرفة مطالعة وقاعة محاضرات ومختبر وغرف للموظفين، وامتلأ المتحف بخزائن كثيرة للعرض ملأى بالآثار ابتداء من العصر الحجري الى العصر البرونزي المتأخر (1600ـ 1200ق.م). كما احتوى المتحف آثاراً كبيرة تعود الى العصور الاسلامية. وفي صالة العرض الغربية عرضت الآثار التي وجدت في قصر هشام بخربة المفجر واغلبها من الجبس المنقوش. أما الغرفة الشمالية الغربية من المتحف فقد تضمنت معرضاً للمسكوكات الفلسطينية والأسرجة القديمة مرتبة حسب تاريخها. وفي صالة العرض الشمالية خزائن عرض تحتوي على آثار من العصر الحديدي. ويشار إلى ان في المتحف المذكور مكتبة كانت تضم ثلاثين ألف مجلد في عام 1948، وكان في الطابق السفلي من المتحف مخازن كبيرة فيها مجموعات اثرية غير معروفة توضع في متناول العلماء ورجال الاثار عند الطلب. ويضم متحف مسجد عمر كتابات تاريخية اسلامية وبعض السجاد ومجموعة صغيرة من الزجاج الروماني والخزف القديم. أما متحف عكا ففيه مجموعة من الزجاج والخزف القديم عثر عليها في مناطق مختلفة من فلسطين.
وبعد قيام اسرائيل قبل اربعة وستين عاماً خلت (1948-2012) ، حاولت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة طمس الهوية الفلسطينية من خلال العمل على محورين، الأول: محاولة انشاء متاحف اسرائيلية ونقل بعض الاثار القديمة من القدس اليها, اما المحور الثاني فتمثل بالشطب الممنهج لكل ما يؤرخ لعروبة فلسطين وهويتها الحقيقية من خلال سرقة الاثار الفلسطينية وتزويرها وعرضها في معارض إسرائيلية في أوروبا ،حيث تكرر هذا المشهد حين عرض زي المرأة الفلسطينية على أنه زيّ إسرائيلي.
ومنذ عام 1948 وبفعل الحكم العسكري، استطاعت إسرائيل القضاء على فكرة احياء متحف عربي فلسطيني في داخل الخط الأخضر، لكن ذلك لم يمنع من احتفاظ البعض من الاقلية العربية بطرق عديدة للحفاظ على هويتهم العربية وانتمائهم القومي، حيث الشعور بالانتماء والاستمرار به هو بمثابة قوة كامنة للحفاظ على الهوية التي تحاول السلطات الاسرائيلية تهميشها وبالتالي شطبها.
وفي السياق نفسه حافظ اللاجئون الفلسطينيون في المنافي القريبة والبعيدة على هويتهم وانتمائهم. وكنموذج للحفاظ على اثار فلسطين في اللجوء أنشأ الباحث الفلسطيني محمود دكوَّر في مدينة صور جنوب لبنان متحفاً خاصاً يضم مقتنيات اثرية هامة دالة على هوية فلسطين وشعبها. فمن الزي الشعبي للمرأة والرجل في كافة مناطق فلسطين ومدنها، الى مقتنيات البيت والمطبخ الفلسطيني خلال سنوات سبقت نكبة عام 1948، وصولاً الى النقود الفلسطينية وطوابعها البريدية، ويشعر الزائر لمتحف الباحث محمود دكور وكأنه يستحضر تاريخ فلسطين وهوية شعبها العربي.
وفي الاتجاه نفسه، تسعى الجالية العربية الفلسطينية في كافة دول اوروبا للحفاظ على هويتها من خلال حراكها السياسي والاجتماعي في مناسبات عديدة، لكن الاهم كانت خطوة تأسيس المتحف الفلسطيني في دول اوروبا التي انطلقت فكرته في عام 1998، حيث من المفترض ان يكون المتحف قد استحوذ على العديد من المقتنيات الأثرية في فلسطين. وللمتحف عنوان خاص على شبكة الانترنت الدولية وهذا بحد ذاته يعتبر نقلة نوعية في الوعي الجمعي للهوية العربية الفلسطينية والحفاظ عليها من خلال تنشيط أداء المتاحف. وفي الضفة الغربية وقطاع غزة تعزز وضع المتاحف الفلسطينية بعد انشاء السلطة الوطنية الفلسطينية ،بفعل دعم النشاط المجتمعي لتنشيط فكرة بناء عدد من المتاحف في الأراضي الفلسطينية واعادة ترميم عدد آخر. وتبعاً لذلك بات ينتشر في الاراضي الفلسطيني ثلاثة عشر متحفاً منها خمسة متاحف عاملة، بواقع اربعة متاحف في الضفة الغربية مقابل متحف واحد في قطاع غزة، وثمانية متاحف مغلقة أو متوقفة عن العمل وممارسة الأنشطة.
مما تقدم، يتضح ان للمتاحف الفلسطينية دوراً ووظيفة هامة، في المقدمة منها الحفاظ على الاثار الفلسطينية التي تعتبر دالة على شخصية الشعب العربي الفلسطيني وهويته التي تحاول اسرائيل الانقضاض عليها وشطبها في نهاية المطاف، ومن هنا تحتم الضرورة دعم التوجهات الفلسطينية في انشاء متاحف فلسطينية في داخل مناطق فلسطين التاريخية وفي مناطق اللجوء الفلسطيني، حيث من الممكن ان تقوم بعمليات الدعم الفني والمالي وزارات الثقافة العربية من خلال توصيات تسجل بعد عقد مؤتمر خاص لوزراء الثقافة العرب يتمحور حول بند اساسي وجوهري يتعلق بحماية الهوية الفلسطينية من الضياع.