وبطبيعة الحال، فإن النكبة الفلسطينية لم تكن وليدة ساعتها، بل نتيجة عقود من التحضير والتآمر بين الحركة الصهيونية ومنظماتها الكثيرة التي نشطت قبل عام 48 وبعض القوى الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا التي كانت تحتل فلسطين وتوجت تآمرها بالوعد الشهير المسمى وعد بلفور والذي أعطى اليهود «حق» اقامة وطن قومي في ارض فلسطين، وبقيت سلطات الاحتلال البريطاني أمينة لهذا الوعد عبر سلسلة التسهيلات التي قدمتها لليهود بغية تمكينهم من تجسيد هذا الوعد، وهو ما كان في 14 ايار عام 1948.
وتشير المعطيات الفلسطينية إلى أن إسرائيل سيطرت قبل وعند قيامها على 774 قرية ومدينة ودمرت 531 قرية ومدينة فلسطينية، كما ارتكبت عصاباتها أكثر من 70 مذبحة بحق الفلسطينيين أدت إلى استشهاد ما يزيد على 15 ألف فلسطيني خلال فترة النكبة.
ورغم الاحتلال المديد لفلسطين والذي شهد كل انواع العدوان والتهجير والقهر، تشير المعطيات الى أن عدد الفلسطينيين الذي كان عام 1948 37ر1 مليون نسمة، يقدر عددهم اليوم بأكثر من 11 مليون نسمة وهذا يعنى أن عدد الفلسطينيين في العالم تضاعف أكثر من 8 مرات منذ أحداث نكبة 1948، ولا يزال ثمانين بالمئة منهم يعيشون امما في فلسطين التاريخية، أو في البلدان العربية المجاورة لها، يتطلعون للعودة الى ديارهم، وهو حق تؤيده كل القوانين الدولية، وتشير كل المعطيات الى انه ممكن ولا يمكن أن يسقط بالتقادم، كما تسعى اسرائيل منذ قيامها حتى الان.
وحق العودة والذي هو بحسب دليل حق العودة الفلسطيني، حق الفلسطيني الذي طرد أو خرج من موطنه لأي سبب عام 1948 أو في أي وقت بعد ذلك، في العودة إلى الديار أو الأرض أو البيت الذي كان يعيش فيه حياة اعتيادية قبل 1948، وهذا ينطبق على كل فلسطيني سواء كان رجلاً أم امرأة، وينطبق كذلك على ذرية أي منهما مهما بلغ عددها وأماكن وجودها ومكان ولادتها وظروفها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، هو حق تاريخي، ذلك أن الفلسطينيين موجودون في فلسطين منذ الأزل وهو بالتالي حق شرعي وقانوني وثابت ومقدس، وهو إضافة إلى ذلك ممكن وليس ضربا من الأحلام والأمنيات.
لقد راهنت إسرائيل منذ أقاموها على ارض فلسطين بأن أصحاب الأرض هم ثلاثة: واحد سيموت وآخر سينسى، وثالث أحمق ستقتله عندما يجرب أن يتورط في مقاومة وجودها.
وبعد أربعة او خمسة أجيال من الفلسطينيين منذ جريمة الاغتصاب الكبرى من جيل النكبة الى جيل النكسة الى جيل الثورة ثم جيل الانتفاضة وأخيرا الجيل المكسور بفعل المراهنة على سلام زائف، ها هو جيل جديد يثبت انه لم ولن ينسى, وأن عروقه لا تزال تنبض بالحنين إلى أرض الاجداد وان عيونه لا تزال تتطلع الى بيت المقدس، في تجسيد حقيقي وليس شعرا أو أغاني، بأن فلسطين لا تزال هي أرض الرباط، واليها يجب أن تشد الرحال، وبها ونحوها تصوب كل بوصلة تائهة في زمن تصنيع الأزمات والتلاعب بالأولويات.
وعندما يقال إن حق العودة غير قابل للتصرف، فذلك أنه مستمد من القانون الدولي، وهو بالتالي مكفول بمواد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في كانون أول 1948، حيث تنص المادة 13 منه على التالي : لكل فرد حق مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده وفي العودة إلى بلده. ويتكرر التأكيد على هذا الحق في جميع المواثيق الإقليمية لحقوق الإنسان مثل الأوروبية والأميركية.
وتدعم هذا الحق القانوني والشرعي في القرار رقم 194 الذي صدر في 11 كانون أول 1948 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يقضي بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض معا، وهو القرار الذي جرى التأكيد عليه في قرارات دولية متلاحقة أكثر من 135 مرة منذ ذلك الوقت ولم تعارضه إلا إسرائيل.
وحق العودة بهذا المعنى، لا يسقط بالتقادم، مهما طالت المدة التي حرم فيها الفلسطينيون من العودة إلى ديارهم، لأنه حق غير قابل للتصرف.أي انه، وكما يشرح القائمون على وضع دليل حق العودة الفلسطيني، وهو جهد علمي تبسيطي لشرح حق العودة ومترجم الى عدة لغات،
من الحقوق الثابتة الراسخة، مثل باقي حقوق الإنسان لا تنقضي بمرور الزمن، ولاتخضع للتفاوض ولا يمكن التنازل عنها، ولاتسقط أو تعدل أو يتغيّر مفهومها في أي معاهدة أو اتفاق سياسي من أي نوع، حتى لو وقعت على ذلك جهات تمثل الفلسطينيين أو تدعي تمثيلهم ، ذلك أنه حق شخصي لكل مواطن فلسطيني لا تملك أي جهة التنازل عنه، ويتنازل عنه فقط صاحبه بصفة شخصية وبما لا يرتب أي التزامات على حقوق غيره حتى أفراد أسرته.
ولكن حق العودة حق جماعي أيضاً، باجتماع الحقوق الشخصية الفردية وبالاعتماد على حق تقرير المصير الذي أكدته الأمم المتحدة لكل الشعوب عام 1946، وخصت به الفلسطينيين عام 1969 وجعلته حقاً غير قابل للتصرف للفلسطينيين في قرارها 3236 لعام 1974.
ولعل نجاح الاسرى الفلسطينيين خلال اضرابهم الاخير في انتزاع العديد من حقوقهم داخل المعتقلات، هو اشارة اخرى الى قدرة الشعب الفلسطيني، برغم حالة التراجع الرسمية فلسطينيا وعربيا ، على تحدي الاحتلال بأمعائهم الخاوية وصدورهم العارية، والتأكيد على ان المواجهة مع المحتل ستظل قائمة حتى انتزاع كامل الحقوق المغتصبة.