إنها موحدة في الولوغ في الدم, وفي صرف الأنظار عما تقترفه من إرهاب, بإلقاء مسؤوليته على الحكم! في خط لم تحد عنه منذ أن انتهجت أسلوب ترويع الشعب وتدمير البنية التحتية الوطنية, كمنشآت النفط والخطوط الحديدية, وحتى تفجيرات 9و10 أيار, ضد بعثة المراقبين الأممية, وفي القزاز بدمشق.
ثم إن “المعارضة” السورية موحدة في التموضع داخل العواصم الإمبريالية والتابعة, كواشنطن ولندن وباريس وإسطنبول والرياض والدوحة. وموحدة كذلك في انعدام أثرها داخل عواصم مثل هافانا وكاراكاس وسانتياغو وكيب تاون وموسكو ونيودلهي وبكين وطهران.
زد إلى ذلك أن المعارضة السورية موحدة في معاداة حزب الله وايران, وفي نسج أوسع الصلات والصداقات والعلاقات, مع تل أبيب والرياض.
وفوق ذلك كله, فإن المعارضة السورية موحدة في استمراء “القبض” من المانحين, الذين “أين منهم حاتم الطائي”!!!.
وعلى الرغم من ذلك كله فإن نبيل العربي يدعو المعارضة إلى التوحد, في مؤتمر يستضيفه في مقر جامعة الدول العربية 15/5/2012, ليس على حسابه, بل على حساب الجامعة, لتعويض حمد وسعود الفيصل ما فاتهما من خيبات في تشكيل كيان سياسي من هذه المعارضة, قادر على أن ينازع دمشق الشرعية, أقله: أن يتحاور معها, وإن بقيادة مسلوقة سلقا للتماشي مع مهمة كوفي أنان, كي لا تحاجج موسكو بأن المعارضة لم تتعاون.
فهل تتحد المعارضة في هذا المؤتمر, طبقا للمواصفات؟ وتلبية لمطالب واشنطن, التي يستنسخها السعوديون؟
ثمة من يقول: إن المعارضة تريد. ولكنها لا تستطيع.
النواة الصلبة في مجلس اسطنبول الإسلاموي, تريد أن تقطر طيوف المعارضات كلها وراءها, وتسير بها موحدة الصف والشعار والزي, بما في ذلك (وهو مستحسن) إطلاق الذقون, نحو كرسي الحكم. وبعدئذ تنظر, داخل مجلس شورى الجماعة, فيما يجب عمله بشأن هؤلاء “الطرشان في الزفة”, وطبقا للأغلبية في مجلس الشورى, وفق آخر طبعة للديمقراطية.
وهي تتوقع أن يصدر بيان عن مؤتمر القاهرة يعلن تشكيل قيادة موحدة للمعارضة, تسارع الرياض والدوحة وواشنطن ولندن وباريس و(ميكرونيزيا)! إلى الاعتراف به. ولكن من دون أن يكون لهذه القيادة برنامج سياسي-اقتصادي-اجتماعي, محدد القسمات, ومؤهل لسحب البساط من تحت أقدام الحكم في سورية.
وهنا تكمن مأساة (تراجيديا) سيزيف العصر.
ثمة, من الناحية الواقعية, من يرى إمكان دحرجة “صخرة سيزيف” من قعر الوادي إلى قمة الجبل.
وكما سيزيف, فإن النواة الصلبة الإخونجية تخفق كل مرة في الجلوس على عرش من جماجم السوريين.
هي حاولت في 1977-1982, إبان حرب تعريب خيانة السادات, وأخفقت, رغم ذلك الحشد الهائل من «الطرشان في الزفة» الذين نظموا ديكورا ملائما شديد اللمعان الطامع في شعبوية لا يمكن معها إلا أن يغادر النظام كرسي الحكم, لتجلس هي محله.
والذي حدث أن الشعب السوري التف حول قيادته. وسقطت صخرة سيزيف إلى الوادي.
والنواة الصلبة الإخونجية تعيد الكرّة ابتداء من آذار 2011, في حرب «الشرق الأوسط الجديد»، كذلك ضمن تحشيد «الطرشان في الزفة» الذين ينطوي كل طرف فيهم على كيدية وانتهازية كثيفتين للحصول على «صرة ملبس من هذا المولد».
والذي يحدث الآن أن مجزرة الأزبكية 1982 في حرب كامب ديفيد, تُستَنْسَخ في حرب شرق أوسط جديد, ليس وحسب في القزاز والبرامكة وبرج الروس, بل على مدى سورية, لتشييد العرش الموعود من الدماء والجماجم.
واليقيني في الاستنساخ أنه لا الإخوان المسلمون ولا “الطرشان في الزفة”, أجروا المراجعة الضرورية لإخفاق «سيزيفـهم », في حربهم الأولى تحاشيا لإخفاقه في الثانية, دون بلوغ القمة-العرش.
اذ إن مراجعة كهذه كانت تتطلب اكتشاف السر في كيمياء الصمود السوري أمام حرب تعريب كامب ديفيد, كما أمام حرب الشرق الأوسط الجديد, وما بينهما, و... ما بعدهما.
إنه الخبز.
نعم: الخبز, بوصفه «كعب أخيل» الحكم السوري المبحوث عنه منذ نصف القرن تقريبا, والعصي على أن يكتشفه الإخوان المسلمون ومن يلتحقون بهم.
اذ إن المراجعة كانت تقتضي الإتيان ببرنامج اقتصادي-اجتماعي-سياسي بديل ومتقدم على برنامج الحكم المرتكز على ضمان الأمن الغذائي للوطن. وما يتصل بهذا البرنامج في الشأن الثقافي التربوي الحامل للنظم الإدارية التنفيذية, في تطبيق استراتيجية: ضمان الأمن الغذائي للمواطن هو الأصل في ضمان السيادة الوطنية, وصولا إلى الأمن القومي, ومعه الحرية والكرامة.
وليس في عنديات الإسلامويين مقاربة لهذه المعادلة. إنها خارج ساحة وعي «البروفيسور» برهان غليون, وهو يأخذ على الحكم “احتكار” تجارة الحنطة(!!!).
ولذلك فإن مؤتمر توحيد «المعارضات» في القاهرة سيتناهى إلى «طبخة بحص», وفقا لإملاءات الحقيقة الكامنة في كيمياء استعصاء الحكم في سورية على المحاربين ضده, لكونه تقدميا, وهم رجعيون, وبما يمتنع معه البساط تحت أقدام الحكم التقدمي عن السحب بأيد رجعية, امتناعا محمولا على طبيعة الأشياء في مخرجات احتضان الشعب لمن يستجيب لمصلحته.
اذ إن الرغيف هنا, وما ينفتح عليه من برنامج سياسي-اقتصادي-اجتماعي في مختلف مجالات الحياة, كالعمران والصحة والتربية والخدمات والبنية التحتية والدفاع الوطني, هو كلمة السر في صمود سورية أمام حروب مهاجمين من داخل ومن خارج, و«كعب أخيل»المعارضة, وليس الحكم.
Siwan.ali@gmail.com