من نوعية طعام أو لباس أو اختيار بعض الألعاب ، أو الكف عن إثارة الفوضى و الشغب ، و نتساءل .. هل نلجأ للقسوة لردع هذا الصغير و إجباره للانقياد و الطاعة ، أم نتركه ليفعل ما يحلو له ، وفي النهاية نلوم أنفسنا عندما نقطف ثمار ما زرعناه .
بداية لتأكيد الذات
و بهذا الخصوص يشير التربويون أن أكثر الآباء والأمهات يواجهون هذه المشكلة لدى بلوغ الطفل السنة الثانية من عمره ، حيث يبدأ في استخدام كلمة "لا" بكثرة معبراً على رغبته في تأكيد ذاته ورفضه الانصياع لأوامر الكبار ، وتبلغ هذه المرحلة ذروتها في سن الرابعة ثم تهدأ عند بلوغه سن السادسة مع بداية تحوله من كائن بيولوجي تتمحور احتياجاته حول الطعام الشراب وما شابه ، إلى كائن اجتماعي يندمج في جماعات أوسع وأكبر..
وقد يفهم الآباء هذه الظاهرة بطريقة خاطئة فيعتقدون أنهم أساؤوا تربية أبنائهم ، وعليهم إخضاعهم بالعنف والضرب لتُمحى أثر كلمة "لا" من ذاكرتهم ، بينما قد ينصاع آباء آخرون لهذا المتمرد الصغير فيتركونه يفعل ما يحلو له ، فيدرك الطفل أن كلمة " لا " هي العصا السحرية التي يشهرها وقتما يشاء لرفض الانصياع للأوامر ..
وكلا الموقفين خطأ ويؤديان لنتائج سلبية.. فبينما يؤدي العنف المستمر إلى زيادة عناد الطفل وكرهه سلطة والديه وابتكار وسائل أخرى للهروب من طاعتهما ، أو يؤدي لنمو طفل ضعيف الشخصية غير قادر على اتخاذ قرار بمفرده تابع لغيره ، ولا يمكنه استخدام كلمة "لا" في أي موقف من المواقف ، كما يؤدي فرط التدليل وترك الطفل يفعل ما يحلو له إلى نمو طفل مدلل غير متحمل للمسؤولية ، ولا يفهم أن هناك قواعد وحدوداً عليه أن يراعيها في أي تصرفٍ يقوم به.
نتيجة نموه و تطوره
و يؤكد المختصصون أنه لكي نفهم هذه الظاهرة في حياة الطفل علينا أن نتوقف عند عوامل ظهورها ، فمنذ لحظة الميلاد الأولى للطفل يكون كائناً معتمداً على الأم في جميع شؤونه، وهذه الاعتمادية الكاملة تجعله يتعرف على العالم من خلال أمه ..إلا أنه مع تطور نموه وازدياد حركته يبدأ في اكتشاف العالم وتجربة الأشياء واختبارها ما يزيد من خبرته ويوسع أفقه ، وهنا تظهر أولى سمات شخصيته عندما يبدأ في تجربة استخدام "لا" لرفض الانصياع لعالم الكبار الذي يبدأ في التحرر منه شيئاً فشيئاً ، وهي تعتبر ظاهرة صحية تؤكد صحة وتطور نمو الطفل ، إلا أنها تستدعي من الوالدين التعامل معها بحكمة لترويضها و ليس القضاء النهائي عليها .
بالرعاية و التوجيه
-بداية يجب أن يتفهم الآباء والأمهات أن دورهم هو الرعاية والتوجيه والإرشاد وليس الوقوف على كل صغيرة وكبيرة ، أو وضع الطفل تحت الرقابة الدائمة مما يقيد حريته ويعيق نموه بصورة دائمة .. لذا لابد من إعطاء مساحة للطفل ليتحرك فيها بحرية وعدم التدخل إلا لإرساء قاعدة مهمة أو لحمايته من خطر محدق ، فمثلاً تحديد مواعيد نومه واستيقاظه و طعامه من الأشياء التي يجب تحديدها والتأكيد عليها ، كذلك حمايته من إيذاء نفسه باللهو بأشياء خطرة أو إيذاء غيره من الأشياء التي تستدعي التدخل .. أما غير ذلك فيمكن إتاحة الحرية للطفل ليفعل ما يشاء مع مراقبته من بعيد .
- عند استخدام الأوامر فإنه يمكن للأم التخفيف من صيغة الأمر بأن تجعل الطفل يقرر هو متى وكيف سيفعل الأمر ، وتجعله ينفذ ما تريد مع إكسابه الثقة بنفسه أنه هو صاحب الاختيار..
مع التأكيد على أن هذه الطريقة تكسبه سمة رئيسية وهي أنه قادر على الاختيار واتخاذ القرار..
- إذا لم يتجاوب الطفل مع هذه الطريقة ورفض كل الاختيارات ، فلابد من الحزم لدفعه لتنفيذ الأمر باستخدام لهجة صارمة مع تقطيب الوجه والنظر للعينين مباشرة بل ومساعدته لعمل المطلوب ، مع إشعاره أن هناك عقوبة لرفضه ، تتمثل في حرمانه من شيء يحبه لفترة محددة..
- منحه فرصة للمناقشة إذا تم إرغامه على تنفيذ أمرٍ ما حتى يدرك أهمية هذا الأمر ، وإرغامه عليه ليس تسلطاً و لكن مراعاة لمصلحته .
تعزيز إيجابي
و ينصح المختصون التربويون باستخدام أسلوب القصة خاصة قبل النوم لقوة تأثيرها على الطفل لتوجيه سلوكياته بصورة غير مباشرة ، وكذلك استخدام اللعب الموجه كاللعب بالدمى ، و لا بد من تعزيز الجانب الإيجابي فإذا صدرت منه كلمة نعم أو حاضر أو استجاب لأي أمر مباشرة ، لابد من تشجيعه والاحتفاء بكلمة " نعم " ومكافأته لاستجابته دون مشكلة لأي طلب..
وفي النهاية لابد أن نفهم أن لكل مرحلة خصوصيتها ولكل طفل سماته وطبيعته ، إلا أن معادلة "الحزم والحب والاحترام" تعطي بلا شك النتائج المرجوة.