وفي هذا الاطار قال العلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي إن الذين يسفكون الدماء البريئة في سورية يرتكبون أكبر المعصيات التي حرمها الله سبحانه وتعالى متسائلا: أي حقد في صدور أولئك الذين يمولون القتل عبر المال والعصبيات، مبينا أن آهات وصيحات الثكالى واليتامي ستشهد عليهم يوم الحساب.
وأضاف العلامة البوطي خلال خطبة الجمعة: ان الاخوة الذين حجبوا عن محبوبهم الحقيقي وهيمنت الدنيا على أفئدتهم أشكالا والوانا من عصبية واستكبار وتعشق للمال ومن حقد وضغينة يهتاجان في الفؤاد مرضا هذا هو الداء الذي يجعلهم يمعنون في القتل وفي سفك الدماء.
وأوضح العلامة البوطي أن عوامل الحب في حياة الانسان لا تزيد على ثلاثة عوامل. أحدها الجمال: وهل في الكون أجمل ممن خلق الجمال وثانيها الاحسان، وهل في الكون من يحسن للانسان غيره أما ثالثها فهو العظمة، وهل ينبهر الانسان بعظمة مخلوق مع وجود هذا الخالق الذي خلق فأبدع فصور مبينا أن هذه العوامل كلها مجتمعة ومحصورة في ذات الله سبحانه وتعالى واذا ربط الانسان النعم الوافدة اليه بالمنعم فلن يتسع الزمن لتعداد هذه النعم.
وأكد العلامة البوطي أن الانسان اذا عرف الله عزوجل بصفاته ولطفه ونعمه التي تفد اليه فلابد أن يحبه واذا أحبه فستفرد محبته له على محبة الاغيار كلها كما ستفرد محبته للخالق سبحانه وتعالى على محبة الدرهم والدينار وعلى محبة الدنيا بكل ما فيها وعلى محبة الذات والعصبية والاهواء.
ولفت العلامة البوطي الى أن القلب حين يصبح وعاء قدسيا لحب واحد لا ثاني له الا وهو حب الله سبحانه وتعالى سيسري حينها سر هذا الجزع الذي هيمن على القلب الى سلوكيات الانسان الظاهرة في كيانه ليكون انقياده لامر الله انقيادا في الظاهر والباطن وحراسة للقيم وللمبادئ لان كل ذلك منبعث من حرقة في فؤاده وشوق الى مولاه وخالقه.. مشبها الانسان حينها وكأنه يقول كما قال موسى الكليم عجلت اليك ربي لترضى مؤكدا أن هذا الكلام هو أحوج ما يكون ليتبناه اخوة من بعيد أو قريب لنا حجبوا عن محبوبهم الحقيقي وأمعنوا في القتل وسفك الدماء.
وتساءل العلامة البوطي: ما الفائدة التي يعود بها هؤلاء الاخوة اذ يرون أن الثكل قد داهم نساء لم يكن ثاكلات بل كن سعيدات في بيوتهن مع أزواجهن وأهلهن، وماذا استفادوا عندما جعلوا اليتم يفاجأ به أطفال صغار كانوا آمنين في حجور ابائهم وأمهاتهم واذا بهم وجدوا أنفسهم يتقلبون في بيداء موحشة من اليتم لا حد له.
ورأى العلامة البوطي: اذا كان هناك فائدة رجع بها هؤلاء الناس تتسامى وتعلو على هذا الاسى الذي تسببوه لاناس ابرياء وآمنين فلعل المنطق بشكل ما يدافع عنهم متسائلا: ما الربح المالي الذي عادوا به من وراء هذا الامر وهل المخدرات التي أخذوها هيجت أعصابهم وجعلتهم يشمئزون من الحياة ويعشقون الدم ورؤيته والقتل ومظاهره..مؤكدا أن الانسان يبقى انسانا ولا يمكن أن تمسخ انسانيته بهذا الشكل العجيب.
وأشار العلامة البوطي الى أن هؤلاء الناس اذا لم يكونوا مؤمنين بالله فبوسعهم أن يقولوا لسنا من دين الله في شيء ولكننا نقول انهم مؤمنون بالله متسائلا: كيف يمزق هؤلاء الناس حرمات الله رغم أن مولاهم وخالقهم يقول لهم ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما وكيف يمكن أن يكون الانسان مؤمنا بالله ويتحمل هذا التهديد والوعيد والغضب الذي يتراءى من خلال الفاظ هذه الاية.
ودعا العلامة البوطي مثل هؤلاء الناس الذين غرر بهم وتورطوا أن يعودوا الى الله ويصطلحوا معه لان الفرصة لا تزال سانحة مع افتتاح هذا الشهر المبارك أول أشهر الحب وهو شهر رجب الذي يطل بعد ثلاثة أيام متسائلا.. هل سيظل هؤلاء الناس يخادعون الله عزوجل ويستخفون بأمره ويستهترون بهذا التحذير الرباني.. مؤكدا أن الله سيرزقهم مع الاسعاد بدلا من أن يرزقهم ويختنقوا بذلك الرزق كما سيكرمهم بالمتعة المباحة المشروعة.
وحذر العلامة البوطي أولئك الابعاد الذين ينفخون في نيران هذه المقتلة غير عابئين لا بالاشهر الحرم ولا بالدماء الزكية البريئة من سهام الاسحار التي لا تخطئ لانها مسمومة وتتعالى من أفواه الباكيات والمحزونات والمظلومات والثكالى كما تتعالى من أفواه اليتامى صغارا وكبارا مبينا أن مثل هؤلاء الناس وهم في ديارهم البعيدة أو القريبة ينفخون في نيران الفتنة عن طريق المال الذي يرسلون والاسلحة التي يحشدون داعيا اياهم أن يسمعوا جيدا في ساعات السحر كيف تتعالى صيحات المظلومين والمنكوبين الى الله.
وأكد العلامة البوطي أن بين هؤلاء الناس والله ربما ليس خيطا بل خيوط يستطيعون أن يتمسكوا بها فيعودوا الى صلح فعال حقيقي مع الله سبحانه وتعالى متسائلا: لماذا يرسلون نيران القتل الى الابرياء وما الفائدة التي ستعود عليهم من وراء ذلك.
وتوجه العلامة البوطي بالدعاء لله سبحانه وتعالى أن يكرمهم عودا صادقا الى دينه القويم قائلا: اللهم فأشهد أني ما أقول هذا الا من منطلق الشفقة على عبادك التائهين ولا أقول هذا الا من منطلق الرحمة بهم فهكذا ربيتني ونشأتني فيا ذا الجلال والاكرام اهدنا واهدهم الى سواء صراطك المستقيم.