كثيرة هي الأعمال الشعرية التي صدرت هذا العام بعضها غمس حبره بألم الوطن ومعاناته ومايجري على ساحاته فكان الهم الوطني
والإنساني نسغها ونبضها.. وبعضها الآخر ليس إلا تهويمات ونفايات لغوية رصفت على شكل شعر فملئت بياضا ليس من حقها أن تلوثه.
بكل الاحوال هذه ليست قضيتنا اليوم.. انما لنحتفي بإبداع النبض الحقيقي والتقاط المدهش وجعله لوحة إبداعية لا يمكنك الا ان تقول هذا هو الشعر.. هذا هو نسغنا.. من هذه المجموعات وردة في عروة الريح للشاعر ثائر زين الدين.. الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب هذا العام تقع المجموعة في ١٢٨ صفحة من القطع المتوسط.. تبدأ بالملحمة الشعرية التي حملت عنوان: مشاهد سورية وقد استغرقت أكثر من ٧٠ صفحة وهي بانوراما مدهشة بروعتها وقدرتها على نقل سيناريو شعري دون أن تفقد قوتها ونضرتها وتجديد المفردة الشعرية.
وبالوقت نفسه تكثيف المشهد الشعري الذي يبقى بوحدة عضوية تجعلك تمضي في المتابعة إلى نهاية السيناريو.
ثلاثة وثلاثون مشهدا شعريا قدمها زين الدين بحبر القلب ونور الشعر ونضرته وجذوة اللغة المتجددة, نقتطف منها:
مشهد
تتشبَّثُ قبلَ الرحيلِ بحافلةْ الجُندِ:
أعلمُ أنّك لستَ تعودُ..
فيرفَعُها الأصحابُ إليهِ، يُقبِّلُها، ويُهدِّئُها:
لابدَّ لنا أن ندفَعَ هذا الليلَ..
سنرجِعُ، لا تخشي شيئاً..
لن نتركَ هذا الموتَ الغادرَ يسرقُ منّا أحدا..
ويُقبِّلُها، يهمسُ:
«سوفَ أعودُ، وننجبُ بنتينِ بمثلِ جمالكِ،
قد تلدينَ لنا ولدا، وأُسمِّيهِ على اسمِ أبي
أو باسمِ أبيكِ فلا فرقَ...»
تُكفكفُ دمعتها الآنَ، وتَسقي التُربَةَ
تُسندُ وردات الجوريِّ إلى الشاهدةِ البيضاءِ
(عاصفة على الشرق الأوسط الكبير) وبعض خفايا المؤامرة على سورية
من الكتب المهمة في جناح اتحاد الكتاب العرب بدمشق كتاب عاصفة على الشرق الاوسط الكبير, وهو من ترجمة الدكتورة لبانة مشوح, وعنه صدرت عشرات الدراسات المهمة نقتطف: أصدر السفير الفرنسي السابق «ميشيل ريمبو» كتاباً بعنوان (عاصفة على الشرق الأوسط الكبير) قال فيه: إنه في كانون الثاني 2014 روى وزير الدفاع الإيطالي السابق السيناتور «ماريو مورو» أنه كان يزور كردستان العراقية عام 2009, فزار ورشة بناء, وسأل عن الغاية من تشييد كل هذه المباني؟.
فكان الجواب: إنها للاجئي الحرب في سورية، أي إن ذلك حصل قبل أقل من عامين على بداية الحرب السوريّة، ويقول السفير «ريمبو» في كتابه أن ما يسمى ويدعى الثورة السورية خططت بمساعدة برنامج سورية للديمقراطية الأمريكية «Syria Democracy Program» الذي تموّله إحدى المنظمات غير الحكومية المرتبطة بالاستخبارات الأمريكية الـ (سي آي إيه).
ويقول أيضاً إن العدوان الإمبريالي على سورية جرت برمجته منذ صيف العام 2001 ومن المهم التذكير بأن «دينس روس» أحد المستشارين ومن المحافظين الجدد لباراك أوباما ومن ثم المستشار الخاص لهيلاري كلينتون هو الذي كان خلف فكرة المجلس الوطني السوري المعارض.
ويقول أيضاً: إن جميع الفصائل المسلحة تدور في فلك التطرف الإسلامي وبينها الجيش الحر، فهو أيضاً تكوّن من متطرفين تابعين للإخوان المسلمين وسرعان ما صار تحت الوصاية الأمريكية والتركية وخضع لإملاءات المدعو «عدنان العرعور».
أشباح منتصف النهار
في جناح دار التكوين, للكاتب والاستاذ الجامعي عابد اسماعيل, مجموعة كتب مهمة, منها أشباح منتصف النهار, وهم مغمس بحبر الدم, نقتطف منه:
قبس من أشباحه.. لم يمت رميا بالرصاص, كما اشيع أو بشظية أو حتى بسكتة قلبية, لم يمت بطعنة في الظهر, مثلا, أو بانفجار غامض خلف مبنى البرلمان, أو حتى بحادث سير تافه ونحن الذين دفناه على عجل, لم نجد على جسده أثرا لجرح أو كدمة, او وشم قلنا في سرنا, لعله مات اشلاء, ذرات لاترى بالعين المجردة, نغمات موسيقية لاتسمع إلا في اقصى درجات الصمت لعله صار خيالا أو طيفا, يسري بين الحلم واليقظة, أو بين الوهم والوهم, وربما لم يمت البتة, وحين دفناه, نحن الذين دفناه, لم نكن ندفن شخصا أو شبحا أو شيئا لعلنا دفنا ضبابا, او شعاعا أو فكرة, لم يمت هذا الذي مات, وحيدا, في غرفة ضيقة مختنقا بأغنية.
بمطارقهم.. بمطارقهم جاء الهمج وهشموا أباريقنا, سرقوا نجومنا التي حلمنا بها طويلا في صحونا, الليل اسدلوه كالستارة على الحدائق ورموا بأقماره من الطابق العاشر إلى بئر صدئة في اسفل العالم, الشمس علقوها في المتحف كالمومياء والغابات ملؤوا أدغالها بالريش, الحرية انهالوا عليها ضربا بفوهات بنادقهم, رجموها بالحجارة قصوا ضفائرها, مزقوا ملابسها, وثمة من يقول قطعوا لسانها, وصارت خرساء تصرخ في الشوارع باحثة عن صوتها, لم تترك الحرية صوتا إلا وتعقبت صداه لم تترك بابا مقفلا إلا وطرقته بيدها المضرجة دما, لم تترك قصيدة رواية, أغنية, لم تترك فما إلا وصارت له هتافا, طيرا ونبتت ريشا على جناحيه, حبكة إلا وصارت لها خاتمة مأساوية, وحده شهريار, سجين خرافاتها يجلس الآن على قبرها, مصغيا لأنين عظامها.