سيد الموقف هو الاستياء والغضب من غلاء يلتهم الدخول ،وتغير سلبي عميق في الأنماط الاستهلاكية والاجتماعية للمواطن وتراجع الإنفاق على التعليم والطبابة واللباس إلى دون الخط الأحمر وغض النظر عن شراء المازوت
تدهور معيشي
ومع وقوف الأسرة السورية على عتبة الفقر التي ضربها زلزال الأسعار ليحدث هزات ارتدادية نفسية واجتماعية واقتصادية وأمنية ،ومع أزمة انعكست تداعياتها على حياتنا الشخصية والأسرية كان لابد من دق ناقوس الخطر لحماية أمن الأسرة ففي ضعفها ضعف المجتمع وقوة المجتمع من قوتها .
ومع حكومة جديدة يتجدد الأمل وتتفاوت التوقعات تفاؤلاً بوقف التدهور المعيشي كخطوة أولى على الأقل ،لحماية المواطنين من لهيب أسعار يندلع ليطال حاجات الناس من مأكل وملبس ومشرب وخدمات ضرورية وغلب التطبع الطبع وبعد أن كان أغلبية الناس يتمثلون قولاً مأثوراً في المأكل والملبس ..يأكلون على ذوقهم ويلبسون على ذوق الناس ،فما نأكله لا يراه الناس وما يكسو جسمنا عرضة للنقد وللقبول الاجتماعي ،أما الآن ونحن في أزمة ..والكثيرون يرفضون التعامل مع هذا المصطلح ويستبدلونه بحرب ،بمؤامرة كونية ،هذه الحقيقة التي فرضت علينا أن نأكل ونلبس ونعيش لا على مقاس الأزمة بل نحيا ظروف حرب وكوارث حرب ونتعايش مع ظروف الخطر والمحنة ،وليس من السهل تجاوز آثارها .
في لقاء ارتجالي مع سيدة اختارت زاويتها على إحدى الأرصفة بعناية وببداهة للكسب ،تبيع ما تيسر لها من منظفات ومعلبات ومساحيق تجميل وغيرها ،سارعت إلى تغيير وضعية جلوسها ولمت ساقيها وأعادت تنسيق شعرها عندما علمت أنها عنوان لمادة صحفية واستثمرت الفرصة للشكوى والعتاب وقالت :أهو لقاء صحفي مقابل مبلغ مادي تتقاضونه ..أم هو استفزاز للعواطف والمشاعر للتعاطف و الطبطبة على القلوب ،أو قد يتجاوز العاطفة إلى المحاسبة والإدانة لمنظر يشوه البيئة والإنسانية ويخلي الكثيرين من مناصبهم .
وجدت نفسي وأنا المعنية بنقل الهموم والآلام ،والمتابعة لإيجاد الحلول وأملك من قوة الحق ما يفيض ،غير قادرة على إنعاش ثقة هذه المرأة واسترجاع يقينها بحلول جدية وجذرية لمشكلتها .
وبعد سرد قصتها التي تتشابه وكثير من قصص عنوانها التهجير والتشريد والخطف والفقدان المادي والمعنوي المنتشرة في شوارع مدننا المتعبة والمثخنة بالجراح أجابتني عن طفرة الأسعار ..كنا نمد أرجلنا على قد لحافنا الآن نمدها على طول الرصيف وطول النهار .
لهيب الأسعار يشعل نار الخلافات الزوجية
الغلاء حديث الناس صغيرهم وكبيرهم ..مواطن ومسؤول ،هم أسري ومجتمعي وظاهرة فرضت نفسها بقوة مع تآكل الدخل وانتشرت عدواها لتشمل السلع والبضائع الضرورية القاهرة أما الكماليات فقد نسيها المواطن ،وتبرمه و تأففه من غلاء لحظي يتفاوت من مكان لآخر يقابله غلظة وتشنج تاجر يسمع بارتفاع الدولار ولا يسمع بانخفاضه ،جنون أسعار فجر خلافات زوجية تتصاعد مع فصل المونة وافتتاح المدارس ولوازمها ومتطلبات شتاء قارس وترتبط موجات الغلاء بالمواسم التي يقبل فيها السوريون على الأسواق ،ولاشيء يستحوذ التفكير ويشغل البال ويقلق ويؤرق أكثر من عدم القدرة على تحمل تكاليف معيشية قاسية في ظل خيارات محدودة كالعمل ليل نهار أو اللجوء إلى حلول اسعافية تزيد الهم والغم كالسلف والاستدانة وانسداد الأفق أمام رب الأسرة ومعيلها لتأمين حاجات أسرته تلحق به الكثير من الخصال غير الحميدة وتؤدي على المدى الطويل إلى أمراض عضوية ومنها القرحة والقولون العصبي في أهون الحالات ..وتشعل نار الخلافات الزوجية التي تعلو لتنال من طمأنينة الأبناء وأمانهم الأسري وتنعكس سلباً على تصرفاتهم وسلوكياتهم وتقلل من دافعيتهم الدراسية ..ولا أظن أن أحداً يخالفنا الرأي أن الفقر أهم أسباب انهيار الأسر.
وبالرغم من محاولات الأسرة السورية البحث عن سبل عيش والمحافظة على الاستقرار إلا أن الغلاء أحبط الكثير من المحاولات وازدادت نسب الطلاق النفسي والجسدي حسب إحصائيات المكتب المركزي للإحصاء في ظل الأزمة تقول آلاء طالبة ثانوية : معظم الخناقات والمشاجرات بين أبي وأمي سببها المصروف ،أبي يطالب أمي بالترشيد وأمي تطالب أبي بالمزيد من النقود لأن الراتب تآكل بفعل انفلات الأسعار وعندما يعترض تهدده بترك إدارة ميزانية البيت لينزل هو إلى السوق ويلتمس بنفسه الارتفاع المجنون للأسعار ، وبين مؤيد لفكرة الهجرة ورافض لها بسبب انعدام فرصة عمل كان الطلاق بديلاً عن لم الشمل .
الغذاء ..ثم الإيجار الشهري
القفزات الكنغرية المتتالية للأسعار أكرهت المواطن على نمط معيشي جديد وبمقاربة إحصائية بسيطة لمتوسط إنفاق الأسرة عام 2009البالغ 30ألف ليرة يحتاج المواطن اليوم نحو96 ألف ليعيش بمستوى معيشة عام 2009 رغم تغير نمط استهلاكه الغذائي إلى سلع متدنية المواصفات والمهم هو الأكل لا التغذية واضطراره للسكن في أماكن غير مهيأة للسكن البشري تجنباً للوقوع في مصيدة الفقر المدقع والعوز ،و أي شيء قابل للاشتعال( بلاستيك وورق وكرتون وأحذية بالية وألبسة تالفة وكتب قديمة)يصلح للتدفئة .
وفيما يتعلق بتوزع الإنفاق لدى الأسر السورية ووفق دراسة أتت على ذكرها ( سيريانيوز )فقد تلا الغذاء ،الإيجار الشهري بنسبة 17.5%من إنفاق الأسرة ثم النقل ثم الاتصالات ثم الملابس وكشفت الدراسة أن الأسر التي تديرها امرأة أكثر ترشيدا من الأسر التي يديرها رجل مع وجود ارتباط بين المستوى التعليمي لرب الأسرة ومستوى إنفاقها سواء أكان رب الأسرة رجلا أم امرأة وبلغ متوسط إنفاق الأسرة التي يملك ربها شهادة جامعية وما فوق 49544ليرة شهرية في حين بلغ متوسط الإنفاق الشهري للأسر التي يديرها أمي 25753ليرة .
حديث الناس
الأسعار مازالت تحلق في السماء وحملات المقاطعة لا يمكن أن تحدث لبضائع وسلع أساسية ومؤسسات التدخل الايجابي حضورها خجول وأسعار بعضها توازي أسعار السوق وستبقى الأسعار حديث الناس وحديث الإعلام وعلى طاولة المعنيين لحل معادلة الرواتب الهزيلة والأسعار الرهيبة .