تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أردوغــــان والانقــــلاب الأعجوبــــة

متابعات سياسية
الأربعاء27-7-2016
بقلم: عبد الرحمن غنيم

لا أحد يستطيع القول إنه لا يوجد في تركيا , سواء في صفوف الشعب أو الجيش من يتمنون الخلاص من نظام أردوغان , ولو تطلب ذلك الانقلاب على هذا النظام . لكن هذا لا يفسّر في الواقع العديد من الظواهر التي رافقت وأعقبت ما قيل إنها محاولة انقلاب أجهضت . ويمكننا أن نحدد هذه الظواهر فيما يلي :

1 – إن محاولة الانقلاب التي وقعت ولدت خداجاً , أي كالبيضة التي لم يكتمل تخليقها بعد . ولذلك وجدناها تبدأ فجأة وتنهار فجأة . وأبسط ما يمكن أن يقال في هذه الحالة إنه لم يكن انقلاباً محكماً .‏

2 – إن محاولة الانقلاب لم تمسّ عملياً أي رمز من رموز نظام أردوغان , وهو أمر غريب في حدّ ذاته , إذ إن من يدبّر انقلاباً يفكر أول ما ما يفكر في الوصول إلى رموز النظام الذي يقع الانقلاب عليه .‏

3 – إن هجمات الانقلابيين بدت عشوائية , واستهدفت مواقع للسلطة إما أنها خالية أو أن استهدافها لا معنى له , مثل مقر البرلمان مثلاً . بل إن منطق الانقلابات في أي مكان كان يفترض تجنب البرلمان .‏

4 – لا نلمح في تصدّي نظام أردوغان لمحاولة الانقلاب ما يدل على الارتباك , وهو أمر منطقي في مثل هذه الحالات , إذ يفترض أن السلطة التي تواجه محاولة الانقلاب لا تعرف بالضبط المواقع التي يجب أن تستهدفها , وأولويات الاستهداف .‏

5 – من الواضح أن الإجراءات التي سارعت سلطة أردوغان إلى تنفيذها بعد المحاولة الفاشلة , لم تقتصر على ملاحقة من أسهموا في المحاولة , وإنما ذهبت لتطال آخرين يصعب افتراض وجود علاقة عملية لهم بها على الأقل . والأهم أن هذه الإجراءات التي استهدفت عشرات الآلاف من الأشخاص, ومن مختلف الاختصاصات , تدل على أن هناك قوائم جاهزة مسبقة كان نظام أردوغان قد أعدّها لتصفية من وردت أسماؤهم فيها . ومثل هذا الأمر ما كان يمكن أن ينجز إلا على مدى زمني طويل يستغرق السنوات , ولا علاقة له بمحاولة الانقلاب بشكل مباشر .‏

6 – استهدف نظام أردوغان أول ما استهدف الجهاز القضائي , حتى بدا وكأنه يعطي أولوية للتخلص من القضاة غير المرغوب فيهم تسبق أولوية ملاحقة العسكريين المتورطين في المحاولة أو الذين استهدف تصفيتهم بتهمة التورط في المحاولة وإن لم يكونوا متورطين . وهنا نفهم أنه أراد تهيئة الجهاز القضائي لتنفيذ أهوائه بالتخلص من كل قاض يمكن أن يغلب منطق العدالة على منطق الهوى , أو أن يطبق القانون وليس التعليمات الصادرة إليه من السلطة .‏

7 – لقد ذهب نظام أردوغان إلى أنماط من السلوكيات العجيبة الغريبة مثل هدم بيوت بعض المشاركين أو المتهمين بالمشاركة في الانقلاب بواسطة الجرافات , وهو أمر ذكر الناس على الفور بالأساليب القمعية التي يعتمدها العدو الصهيوني في مواجهة عرب فلسطين . ولا يمكن تفسير هذا الأسلوب إلا على أنه محاولة لإرعاب كل من يفكر مستقبلاً في مناوأة سلطته ونظامه .‏

إن المعطيات السابقة , حين نضعها جميعاً في الاعتبار , تقودنا إلى استنتاج أساسي مؤدّاه أن محاولة الانقلاب الأعجوبة التي وقعت كان متحكماً بها من عملاء أردوغان في صفوف الجيش التركي نفسه , بحيث طلب من هؤلاء , ومنذ زمن ليس بالقصير , أن يسبروا أغوار الجيش ويرصدوا ما فيه من اتجاهات معارضة , ثم في مرحلة تالية أن يروّجوا لفكرة الانقلاب بين هؤلاء الأشخاص , وأن يغروهم بتبني هذه الفكرة , وذلك كمرحلة ثانية . ثم جاءت المرحلة الثالثة التي وضعت فيها خطة الانقلاب المرصود سلفاً , وإبلاغ المتورطين بالأدوار المطلوبة منهم مع الإيحاء لهم بأن المحاولة محكمة , وأنها ناجحة بالتأكيد , دون أن يكون بوسع المتورطين معرفة الأبعاد الكاملة للخطة .‏

وفي الوقت الذي كان فيه عملاء أردوغان داخل الجيش ينفذون هذه الخطة بمختلف مراحلها كانت أجهزته تهيّئ قوائم المطلوب التخلص منهم في مختلف المواقع سواء كانوا من جماعة فتح الله غولن أو من غيرهم .‏

وهكذا يكون أردوغان عملياً قد تظاهر بالانقلاب على نفسه لينقلب على من يرى فيهم أنهم خصومه داخل الجيش التركي وخارجه .‏

قد يقال إن لعبة أردوغان المدروسة والمحكمة قد نجحت , لكن هذا لا يعني أنه استراح من خصمائه كما يعتقد . فما حدث في حدّ ذاته أوجد مناخاً جديداً داخل أوساط الشعب التركي , وبات يهدد بتوسيع نطاق الصدامات في تركيا بحيث لا تقتصر على الصدام مع حزب العمال الكردستاني . فكل الفئات الاجتماعية التي مستها تدابير نظام أردوغان سيظهر منها من يناوؤون هذا النظام . أما انعكاسات ما فعل على علاقة تركيا بالخارج وخاصة بالاتحاد الأوروبي فهي بعدٌ آخر محتمل من أبعاد التأثير على تركيا . ومع ذلك , علينا أن نتوقع ألا يحدث ذلك بشكل فوري . فعمالة النظام التركي لأميركا هي الدريئة التي شجعت هذا النظام على جملة ممارساته العدوانية , هذه الممارسات التي كانت موجهة ضد العرب في البداية ثم وجهت إلى الشعب التركي في النهاية . ثم إن ردود الفعل على أفاعيل أردوغان قد لا تكون ردود فعل مباشرة وإنما تحتاج الى فترة من الزمن تختمر خلالها .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية