ولكن كيف استطاع موسيرت ان يقنع نفسه بأنه هو نفسه الذي استيقظ ووجد نفسه في غرفة غير غرفته وفي مدينة ليست مدينته( وجودي في البرتغال امر اكتشفته للتو رغم انني خلدت للنوم كالعادة في امستردام ).
يفتتح سيس نوتبوم روايته ( القصة التالية ) بالشك على طريقة الوجوديين بافتراض العدم الذي يشار اليه بالموت. ومن الصفحة الاولى يقود نوتبوم بطله هرمان موسيرت الى الاعتراف بخوفه من ان يكون هو نفسه شخصا آخر , فيستلقي بلا حراك في تلك الغرفة التي تقع في البرتغال وهو يتساءل كيف نام في امستردام ووجد نفسه هنا ? ومن ثم وبعد تأمل قصير يشعر بفراغ وجودي, جعله يفترض بأنه شخص آخر لانه من المستبعد ان يكون لا احد .
هنا , كان لا بد لموسيرت ان يثبت وجوده عن طريق التذكر فيبدأ بالحديث عن احد المساءات المختلفة وهو يعد عشاءه . ولانه يبدو مصرا على التحرش في مسألة الوجود والعدم فانه سيستخدم الرسم الموجود على الصحن والذي يمثل ثيتوس تتصارع مع بيليوس وسيلة للهجوم على الانسان (فأن يكون المرء خالدا يكفي بحد ذاته لجعل رائحة النتن المنبعثة من الفانين غير محتملة بالنسبة اليه) ثيتوس والدة اخيل, رفضت زواجها من الفاني بيليوس وهي بهذا قد فعلت ما بوسعها للهروب من هذه الجيفة المستقبلية محولة نفسها الى نار وماء وأسد وأفعى.
من خلال الأسطورة يعي موسيرت الفرق بين الآلهة والبشر فالآلهة تستطيع تحويل نفسها بينما لا يسع البشر سوى ان يكونوا مواضيع تغيير من قبل الآلهة.
يطلق على موسيرت معلم لغات ميتة فهو عالم كلاسيكي ومدرس خاص للغتين اللاتينية والاغريقية وهو كما كل الاساتذة مغرم بليزا ودينديا تلك التلميذة صاحبة الجمال الروحي والجسماني الا انه حين يتذكر قواعد الحريات في منظومته الصارمة يقول: (الحب ممنوع لذلك لم يكن باستطاعتي ان اغرم بها )والمرة الوحيدة في حياته التي شعر فيها انه انتمى ا لى فئة الناس الطبيعيين اي الفانين هي عندما اغرم بماريا زينسترا.
الوجود مرتبط بالزمن , واستطاع نوتبوم ان يطرح فكرته عن الزمن في حوار داخلي لموسيرت وحوار مع زينسترا يقول موسيرت: (الوقت هو النظام الذي يمنع حدوث كل شيء في وقت واحد فتجيبه زينسترا : ولكن ما الذي تتحدث عنه يا كرة اللحم ? اذا لم تستطع الفصل بين وقت العلم والوقت الذي تمنحه لقلبك الفقير فان حالتك ستصبح تعيسة) يدرك موسيرت ان رؤية الوقت هو طريقة تختلف من شخص لآخر فهذا اينشتاين قد حوله ا لى دبس سكر ودالي ميعه نعم دالي قد ميع الساعة وكل شيء.
من غرفته في ليسبون في البرتغال ينهمر عالم موسيرت ويهم الرجل في امستردام بالاستيقاظ وها هو يتقلب في الفراش ولكن لم يكن هو من اشعل الضوء بل كان موسيرت في ليسبون. هل هما رجل واحد ?
هل يمكن ان يكون المرء موجودا في مكان ما وفي مكان آخر بنفس الوقت .
ويقول موسيرت :( هذا باعتقادي ليس بالموت الجسدي المؤلم والقاسي.
وانما آلام لاذعة مفاجئة لا تقارن, تتأتى عن المناورة الغامضة التي يستدعيها الانتقال من حالة وجودية الى اخر ).
على ظهر سفينة يلتقي موسيرت بكاهن وملاح وطفل ومعلم وصحفي كانوا هم مجموعته التي رافقها في رحلته ولكنه ومع انه يستمع لبوح الكاهن ومعاناته ولآراء الصيني المعلم الا انه يستحضر دينديا وزينسترا زمنيا ويعيش معهما الرحلة.
(القصة التالية )حكاية لم ترو بعد محاولة لبدء حكاية لانها سيل من التساؤلات الابدية وفيض من آلام العقل البشري رواية ترجمها جمال سعيد وقد وضح انه حاذر الخطأ والتزم امانة العمل وهي الرواية الخامسة من سلسلة الترجمات الهولندية التي تقوم بها دار ايمار بالتعاون مع مؤسسة انتاج وترجمة الادب الهولندي .
الكاتب : سيس نوتبوم
المترجم: جمال سعيد
الناشر : دار ايمار 2004