وهنا لن أتطرق إلى موضوع الرسم بذاته أو قيمته ولكنني بصدد الحديث عن آلية تطبيق المرسوم وبالتحديد على تذاكر السفر بالطائرة إلى خارج أراضي الجمهورية العربية السورية بواقع 3% من قيمة البطاقة الأصلية والتي أضافت أعباءً إضافية على كاهل الشركة بقيامها بدور الجباة أو الوسطاء.
وللتحديد أكثر فإنني أخص اليوم الضريبة المستوجبة على البطاقات المدفوعة سلفاً والتي تبدأ جهة السفر من سورية, هذه الضريبة تحديداً لها آلية خاصة جعلتني أتساءل: ألا يكون المشروع ملماً بالقوانين العاملة في البلاد قبل أن يشرع, وكأن من وضع التعليمات التنفيذية الصادرة عن وزارة المالية رقم /31879/5/ تاريخ 3/10/2004 قد نسي تماماً أو تناسى وجود القانون /24/ الذي يمنع التعامل بالعملات الأجنبية ويعرض المتعاملين به لعقوبة السجن التي قد تصل إلى خمسة عشر عاماً.
ونحن مع الدولة ومع أي قرار من شأنه أن يحد من الفساد والمفسدين, وبالتالي علينا أن نحارب السوق السوداء والاتجار بالقطع مهما كان صغيراً.
قد يتساءل البعض لماذا أدخل من هذا المدخل وأنا أتكلم عن تذاكر الطائرة..?! الموضوع ببساطة شديدة هو أن البيضة عند الدجاجة والدجاجة تريد قمحة والقمحة عند الطحان والطحان لن يعطينا قمحته إلا بعد أن يأخذ البيضة...
تفاصيل
تذاكر الطائرة التي تدفع في الخارج وتصدر من سورية ليبدأ السفر من سورية والتي يرسلها الأبناء لآبائهم وأمهاتهم, أو ترسلها جهات دولية لمفكرين أو علماء أو أدباء سوريين ليشاركوا في مؤتمرات أو ندوات والذين تعتبر دعوتهم تكريماً لهم ولدولتهم, وهؤلاء لايستطيعون الحصول على بطاقاتهم المدفوعة سلفاً إلا بعد أن يسددوا قيمة الضريبة البالغة 3% من قيمة التذكرة وبالقطع الأجنبي حصراً, وهنا يذهب المواطن للمصرف المركزي بغية الحصول على القطع المطلوب ليواجه بالأمر المعروف أن المصرف يمنح مبلغاً وقدره ألفا دولار أميركي للمسافر شريطة أن يقدم جواز سفره وبطاقة السفر المؤكدة الحجز ويعود المواطن طالباً بطاقته كي يستطيع الحصول على القطع, لكن الشركة ملتزمة بالقانون ولا تستطيع تسليم البطاقة إلا بعد دفع الضريبة, وهنا سيلجأ المواطن مضطراً إلى السوق السوداء ليحصل على العملة الأجنبية المطلوبة ويعود إلى الشركة التي لاتقبض إلا بالليرة السورية بناء على قسيمة تصريف العملة في المصرف, وطبعاً يعود المواطن إلى المصرف ليبدل القطع الذي حصل عليه من السوق السوداء إلى الليرة السورية والأمر هنا سهل فالمصرف لا يسأل المواطن لا من أين ولا كيف حصل على القطع الأجنبي.
هذه قصتنا باختصار شديد, لكننا إلى الآن لا نعرف كيف وضع هذا الإجراء التنفيذي ولذلك لابد من سؤال المختصين وكانت البداية عند الأستاذ سامر كوسا رئيس فئة مبيعات في مكتب حجز الحجاز التابع لمؤسسة الطيران العربية السورية الذي شرح لنا هذه الإجراءات وقال: إن التعليمات التنفيذية الصادرة عن وزارة المالية برقم /27774/ تاريخ 20/9/2004 تحدد في الفقرة الثانية منها ضرورة استيفاء رسم الضريبة على البطاقات المسبقة الدفع خارج سورية والمصدرة من سورية بالقطع الأجنبي حصراً, يصرفه المواطن بالمصرف ويقدم إشعار التصريف لمكتب القطع الذي يستوفي الضريبة بالليرة السورية بعد أن يتأكد من أمر التصريف لأن المؤسسة لا تقبل التعامل إلا بالليرة السورية.
وعندما سألناه من أين سيحصل المواطن السوري على القطع الأجنبي: اكتفى بأن يقول: هذا أمر آخر لا علاقة للمؤسسة به.
وفعلاً معه حق فلن تحمل المؤسسة هم كل مواطن من أين سيحصل على القطع...
لا مجال للمنافسة
توجهنا للسيد مروان جزائري المدير التجاري في مؤسسة الطيران العربية السورية والذي سألناه بداية عن تأثير هذه الضريبة على حجم مبيعات السورية ومنافسة الشركات الأخرى فقال:
إن هذه الضريبة ليست فقط على تذاكر مؤسستنا وإنما طبقت الضريبة على جميع شركات الطيران العاملة في سورية وبالتالي فالموضوع لا يدخل ضمن مجال المنافسة أبداً, وعندما سألناه عن تأثيرها على مستوى المبيعات, أكد لنا بأنها لم تؤثر أبداً وقال: إن نسبة 3% هي نسبة متدنية ولا تعني شيئاً وإن ألف ليرة سورية أو ألفين فوق ثمن التذكرة لا تشكل أي عبء على المسافر جواً والذي يدفع ثمن التذكرة كاملا.ً في حين يرى السيد المسافر أحمد العليان الذي التقيناه أمام مكتب الحجز والذي ينوي السفر إلى ليبيا للعمل هناك كعامل بيتون, يرى أن الضريبة شكلت عبئاً إضافياً عليه نظراً لأنه جمع ثمن تذكرته لمدة ستة أشهر ليتمكن من السفر كي يعمل مع أبناء عمه هناك.
في حين أن أحد أساتذة الجامعة (رفض نشر اسمه) قد استغنى عن تلبية دعوة لحضور أحد الفعاليات بسبب هذه الضريبة وقال: لقد تكلفت الجهة الداعية بكل شيء فلماذا أدفع أنا هذا المبلغ, أنا لا أريد السفر أصلاً وليست لدي قدرة مالية عليه, ثم حتى لو كان مبلغ الضريبة معقولاً فأنا لا أريد أن يستفيد مني تاجر العملة ولا حتى بليرة واحدة والبنك رفض إعطائي دولاراً إلا بعد أن أحصل على البطاقة والباقي تعرفينه.
وعندما سألنا السيد المدير التجاري عن الأعباء الإضافية التي ألقيت على كاهل المؤسسة في تحصيل الضريبة وفرزها عن سعر التذكرة الأصلي ومن ثم سدادها لوزارة المالية قال: إنه لا يعتقد أن هناك أي أعباء تذكر لأن المؤسسة ستحسب قيمة الضريبة من كل تذكرة وتسدده للمالية حسب الأصول.
وكانت له نفس الإجابة بالنسبة لتحصيل هذه الضريبة على البطاقات المقطوعة في المكاتب السياحية الحاصلة على وكالة من المؤسسة أو من شركات الطيران الأخرى.
ولمعرفة هذه الأصول سألنا السيد غسان حبيب المدير المالي لمؤسسة الطيران العربية السورية الذي أكد لنا عكس ما ذكره السيد جزائري فقال:
لقد أضافت الضريبة أعباءً جسيمة على القسم المالي في المؤسسة إذ أصبح يتوجب على المديرية وموظفيها تدقيق واردات المؤسسة اليومية وهذا يعني تدقيق آلاف البطاقات يومياً وحساب السعر الصافي لكل بطاقة وحساب قيمة الضريبة عليها ناهيك عن واردات مكاتب السياحة وكيل شركات الطيران العالمية والشركة السورية والمنتشرة بالقطر والذين يبلغ عددهم قرابة /400/ مكتب سياحي معتمد وليس مكاتب العملاء, ومن أجل ذلك قامت المؤسسة بالتوجه إلى السيد وزير النقل بكتاب رقم /19050/س.م12./تاريخ 13/12/2004 جاء فيه باختصار أن آلية تسديد الضريبة إلى وزارة المالية تضيف أعباءً كبيرة على عمل مديرية الشؤون المالية في المؤسسة من حيث متابعة مكاتب السياحة والسفر لتسديد هذا الرسم للمؤسسة ومن ثم تسديده لوزارة المالية وإعداد الجداول والكشوف اللازمة إضافة إلى تدقيق صحة التحصيل منعاً من ترتيب غرامات على ذلك فإن مديرية الشؤون المالية في المؤسسة أصبحت تقوم بعمل المديريات المالية التابعة لوزارة المالية.
واقترحت أن تقوم هذه المكاتب بتسديد هذا الرسم مباشرة إلى وزارة المالية وطلبت المؤسسة في الكتاب من السيد وزير النقل بالتوسط لدى السيد وزير المالية حول هذا الاقتراح وفعلاً قام السيد وزير النقل بالتوقيع على هذا الكتاب بتاريخ 6/12/,2004 ومعنى ذلك اقتناعه شخصياً بهذا المقترح.
وعدنا إلى موضوعنا الأساسي وهو تحصيل الضريبة على البطاقة المدفوعة خارج القطر والتي سيدفعها المواطن السوري عند تسلمه لبطاقة سفره بالقطع الأجنبي وسألنا الأستاذ مروان الجزائري المدير التجاري في مؤسسة الطيران العربية السورية عن ذلك فقال: إذا وافقت وزارة المالية أن تستثني المواطن السوري من هذا القرار وتسمح له أن يدفع بالليرة السورية مباشرة ليست لدينا أي مشكلة لأننا ننفذ التعليمات ليس إلا.
ونفس الإجابة قابلنا بها الأستاذ غسان حبيب المدير المالي في مؤسسة الطيران العربية السورية وقال: إن الأمر يتعلق أولاً وأخيراً بوزارة المالية, وعندما سألناه عن رأيه بالضريبة قال: إن الضرائب وسيلة من وسائل الدولة لتأمين مورد للخزينة لكنني أرى أن أي رسم يفرض على المواطن مهما كان نوعه هو إرهاق للمواطن, إلا أن الدولة بحاجة إلى موارد إضافية أهمها فرض ضرائب بما يتماشى وإمكانية المواطنين.
أما من وجهة نظري الوظيفية كمدير مالي فأنا لااعترض على الضريبة بل اعترض على آلية التطبيق بفرض تحصيلها على شركة الطيران فهذا أمر مغلوط.
فالإدارة المالية مهمتها الأساسية تنحصر في تدقيق العمليات المالية للشركة أما الآن وفق آلية العمل الحالية فقد حلت الإدارة المالية في مؤسستنا محل الجهات المعنية برسم الإنفاق في وزارة المالية.
عند المالية الخبر اليقين
بعد أن صبت جميع السواقي في بحيرة وزارة المالية المعنية أولاً وأخيراً بتنفيذ المرسوم ووضع التعليمات التنفيذية له, توجهنا بأسئلتنا وكل ما في جعبتنا للسيد نزار شربجي مدير الإيرادات في وزارة المالية والذي أعطانا من وقته ليستمع إلى كل ما توصلنا إليه وبدأنا بسؤاله من حيث انتهينا عند السيد غسان حبيب عن الاعتراض على آلية تحصيل الضريبة فكان جوابه واضحاً شفافاً إن الوزارة تسعى بالدرجة الأولى إلى التخفيف قدر المستطاع باتجاه إنهاء أي احتكاك بين الموظف والدوائر منعاً لأي لبس أو رشاوى ولا نخجل من هذا الموضوع فنحن نسعى للحد قدر الإمكان من الفساد مهما صغر حجمه هذه الخطوة من شأنها التقليل من الرشاوى التي تحصل نتيجة لاحتكاك الموظف مع الجهات التي تدفع وطبعاً نحن لا نشكك بموظفينا ولكن لا يخلو الأمر من وجود نوعيات قد تستغل وظيفتها ومواقعها.
وهذه الخطوة أيضاً تمنع أي تلاعب من قبل المكاتب بحجم المبيعات.
وعند العقدة الأساسية توقفنا -الدولار- عندها قال لي كلمة وحيدة -معك حق- وعند الاستفسار عن هذا الخطأ وهل غاب القانون /24/ الذي يمنع التعامل بالقطع الأجنبي عن ذهن المشرع?!
قال الأستاذ نزار شربجي إنه من المؤكد أن المسألة غير مقصودة فقد قلت لك إن المسألة الأساسية كانت في آلية التحصيل وقد تكون هذه المسألة بالتحديد لم تؤخذ بتفاصيلها من خلال نظرة المشرع لما هو أعم للقانون مما هو تفصيلي أو إجرائي, ولذلك نعد بأن ندرس هذه المسألة ونحلها بأسرع وقت ممكن لكن أولاً لابد أن تتوجه مؤسسة الطيران العربية السورية بطلب تشرح فيه هذه الاشكالية وتطلب فيه ضرورة تعديل دفع الضريبة بالليرة السورية للمواطن السوري حصراً.
وإذا كان هناك أي مشكلات أخرى لابد أيضاً أن تعرضها المؤسسة حتى تبدأ الوزارة بدراسة هذه المشكلات على ضوء الكتب الرسمية وليس بناءً على شكاوى شفهية من الصحافة أو المواطنين.
أخيراً
ونبقى أمام السؤال: لماذا لم ينتبه المشرع لهذه الثغرة التنفيذية وهل استسهل حصول المواطن السوري على القطع الأجنبي? ولماذا لم تتوجه مؤسسة الطيران باعتراض على هذه الفقرة بالتحديد والتي تلزم الدفع بالقطع الأجنبي بعد حوالى ثلاثة أشهر على تنفيذ المرسوم أسوة بالكتاب الذي اعترضت فيه مديرية الشؤون المالية على آلية تنفيذ القانون.
نبقى بانتظار الإجابات وبانتظار ما ستفعله وزارة المالية لحل هذه المشكلة.