|
عالم المجتمع المعرفي أم سيطرة القوة ..?! دراسا ت إلى البحث عن تكامل المصالح وتبادل المنافع على الصعيد الدولي, إلى إعطاء شعوب الأمم المختلفة حق تقرير المصير بالإدارة الذاتية, ودون أي تدخل خارجي, إلى إنهاء التحالفات العسكرية التي تبقي العالم على حافة الهاوية, إلى حل المنازعات العالمية بالطرق السلمية, إلى إعطاء الأمم المتحدة ومجلس أمنها الدور الكامل في إنهاء بؤر التوتر وفق القرارات العادلة, إلى إدارة شؤون العالم, والحكومة العالمية بمزيد من التكافؤ, والعدل, والمشاركة. فما أن سقط جدار برلين حتى تداعت بعده منظومة الدول الاشتراكية في أوربا الشرقية, ثم لحق بها في عام 1991 الاتحاد السوفييتي ليبدأ العصر التعددي وتنتهي صفحة العصر الشمولي, والدولة الشمولية والنظرية الشمولية والحزب الشمولي كذلك. ومع أن البشرية قد أسلمت ذهنا آنئذ لشعور من التفاؤل الحذر حتى لا يتم الحكم على ما جرى بعقلية ما مضى, ولكي يعطى النظام الدولي الذي يزمع أنه جديد, وسيكون أكثر تقدماً وازدهاراً وديمقراطية من النظام القطبي الذي زال, انتظرت الإنسانية الواعية طبيعة التحولات العالمية, وسنن التغيير العالمي في وارد إدخال النظام الدولي المدخل الذي سيخلص الكرة من تصارع المتناقضين نظاماً, وفلسفة ومشروعاً. ومن المعروف أنه ما إن تم لليبرالية ما كانت تحلم وتخطط, وتعمل من أجله حتى انقلبت بفلسفتها للكون الجديد عما كانت قد أعلنت عنه حيال المتغيرات, لتصير مشكلات الشعوب ليس الفجوة التكنولوجية بين الشمال والجنوب, أو تقهقر البيئة الطبيعية والاجتماعية, أو المديونية, أو التخلف والفقر, أو تزايد المعدل الحراري على الأرض, أو التصحر... الخ, بل المشكلات الحقيقية للشعوب, وللكون الجديد هو الدول التي تنتج التعصب, والتطرف, والإرهاب, ثم تصدره لتعطل فيه الحياة العالمية في الدول الأكثر تقدماً, ولتجعل بقية الدول متعرضة لآثاره المانعة لفكرة الحرية, والتقدم, والديمقراطية. فالأصولية تصبح مشكلة عصر ما بعد المتغيرات الدولية, ثم خصصوا هذه الأصولية بالأصولية الإسلامية وبعدها تم اختيار العرب المسلمين رأس حربة الأصولية, باستهداف طبيعة النضال الوطني التحرري الذي يمارسه العرب على الأرض التي احتلتها إسرائيل منذ عام ,1967 وضمت قسماً منها خلافاً لكل نصوص القانون الدولي المعمول بها, في العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 حتى حينه. وليس من شك بأن العرب أكثر شعوب الأرض إصابة بالفجيعة من نتائج هذه المتغيرات الدولية طالما أنها بدأت بزوال حليفهم الدولي, وانفراد القطب الحليف لإسرائيل بإدارة الحكومة العالمية, وأول الوقوعات في هذا الشأن هو حق هجرة اليهود من أراضي الاتحاد السوفييتي سابقاً إلى فلسطين العربية, وبقية الأراضي العربية المحتلة, وحق تهجير العربي من أرضه, والاستيطان عليها دون أدنى اهتمام بأي مقولة من مقولات المتغيرات, وعلى الأثر بدأت مقولات المتغيرات تتساقط واحدة بعد الأخرى لتعلن الليبرالية عن انتصارها العالمي بزعامة أميركا, وللمنتصر حق التصرف بالنظام الدولي, وقد وصف الرئيس بوش الأب تلك الحقبة من الزمن بأنها مرحلة ستملي على أميركا مسؤولية أخلاقية, أو اقتصادية, أو سياسية, أو حقوقية تتمكن عبرها شعوب الأرض من الإحساس بعالم للحرية جديد, وكل ما حصل أن إيذاناً بدخول الليبرالية وحلتها الجديدة عبر تحول العالم من صيغة العالمية في العلاقات الكونية, إلى صيغة العولمة أصبح السمة الغالبة في تاريخ العالم حالئذ. وقد أطلت على البشرية أفكار القرية الكونية الصغيرة للكمبيوتر, ونهاية التاريخ, وصدام المدنيات, وما بعد الحداثة, أو ما بعد الليبرالية إلى أن أصبحت الأفكار تطال ما بعد الوطنية حتى تصبح الأولوية للسيادة الكونية وتستبعد معايير السيادة الوطنية من خلال العالم المتحول إلى نقل كافة عوامل الوجود البشري على الأرض إلى الفضاء الكوني ليصير الاقتصاد كونيا, وفضائياً, والكترونياً, ورقمياً, وبالنهاية اقتصاد المعرفة. ثم ليتقدم التقني الصناعي على المجتمعي والثقافي, ثم لتتحول العلاقات الاجتماعية إلى علاقات ما قبل الدولة, وعليه فإن التحليل المنهجي لهذا التطور سيعطينا أن ما حدث ويحدث لم تدخل به حسابات المليارات البشرية الستة على الأرض بل حسب حساب الأمم المتقدمة بمليارها الذهبي ما أطلقت عليه التسمية. والعولمة التي مثلت حقبة التحول الرأسمالي من رأسمالية الإنتاج إلى رأسمالية المال لم تقدم للشعوب الاندماج الحضاري كما تم التبشير به, بل قدمت المزيد من الاختراق الثقافي, وشيوع القيم الاستهلاكية وثقافة الموضا, والاستتباع الحضاري, والعقلي. وبالنهاية إن طبيعة القيادة العالمية شهدت انفراد الدولة الأقوى بإدارة شؤون العالم بلغة الإمبراطورية الصاعدة صاحبة المزاج الحربي, والمتنكرة لكل منطق شراكة عالمية عرفها تاريخ العلاقات الدولية, وأكثر من هذا أصبحت العلمنة التي كانت المحرك الرئيس في جوهر الفلسفة الليبرالية, أصبحت تتراجع أمام شيوع الخرافة في عقل الليبرالية الجديدة, ومخططيها, وعدنا إلى بداية القرن العشرين بدلاً من أن ندخل في رحاب الألفية الثالثة وقد ذكرنا بهذه العودة الاعتقاد من جديد بنظرية (هرمجدون) في بدايات تكون المشروع الصهيوني حين قدم الأب اللاهوتي للصهيونية المسيحية سايروس سكوفيلد إنجيله عام 1909 القائم على الاعتقاد بأن الله له برنامجان, وشعبان, ولا هم له إلا إياهما.. فإسرائيل هي مملكته على الأرض, والكنيسة المسيحية هي مملكته في السماء, وتم رفد هذه المسألة على يد القس وليم بلاكستون في بداية القرن العشرين كذلك حين قال: إن مهمة الكنيسة, وأميركا هي العمل السريع على إعادة اليهود إلى فلسطين, بعد اكتمال هذه العودة سيتمكن الرب من إظهار المسيح المخلص. والمحصلة من ما تقدم تشير إلى أن التذرع بالمعرفة, والمجتمع المعرفي, وقيم التقدم الإنساني, ومقاومة التعصب, والتزمت, والإرهاب, والعنصرية كل ذلك ليس له في قاموس الصانعين للقرار الأميركي أي مكان, فهم يحققون السرعة اللازمة في الثورة التقنية, والمعلوماتية, والمعرفية, والاتصالية, والإعلامية, لكنهم في بنية العقل الليبرالي الجديد, وعقلانية الليبرالية الجديدة يمثلون موقفاً لا ينتمي إلى قيم التقدم المعاصرة, وهنا نقف في الأسلوب الأميركي لدى المحافظين الجدد أمام مزدوجة في كافة الشؤون حيث أنهم يطالبون العالم بالعلمانية, ومقاومة المناهج الظلامية, ويمارسون قيم الأساطير, والميثالوجيا دون وجل.. ومن ثم يطالبون العالم بالتعددية, ويرفض النزعة الشمولية, وينتمون إلى أشنع نهج انفرادي شمولي مسيطر بخطاب القوة وحسب, ويدعون العالم إلى الديمقراطية, وها هم يأمرون الأمم المتحدة بعدم إصدار تقريرها عن التنمية في العالم العربي باعتباره قد احتوى إدانة للممارسات العنصرية التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة, وحول انعكاسات الاحتلال العسكري الأميركي للعراق على الحريات في الوطن العربي. وقد هددت أميركا بقطع مساهمتها المالية في هذا البرنامج الخاص بالأمم المتحدة والتي تصل إلى 70% من موازنته, ضاربة بذلك كل منطق للحرية, والديمقراطية حتى تأخذ الديمقراطية معنى الخدمة لإسرائيل وأميركا فقط, وغيرهما يجب أن تطالهم الديمقراطية بكافة أشكال الافتراء, والتعدي وسلب الحقوق. وقد كتب من دبي الكاتب توماس فريدمان مقالة نشرها في الشرق الأوسط بتاريخ 17/12/2004 أثناء حضوره المنتدى الاستراتيجي انتقد فيه السياسة الأميركية على منع نشر التقرير الثالث حول التنمية البشرية في العالم العربي الذي نوهنا عنه, وكم في هذا من دلالة على أن المفكرين المنتمين إلى أي خط من الحقيقة أصبحوا يكشفون ازدواجية الرؤية للإدارة الأميركية, وافتقاد الحكمة في إدارة الشأن العالمي, وها هم صقور البنتاغون اليوم يصرون على المجتمع المعرفي العالمي, ويسلكون بعكس قيمه, ومذاهبه, ومفاهيمه, فإلى متى سيبقون عند مقولة: كبر مقتاً على الله?!! هذا ما ننتظر الإقلاع عنه في الولاية الجديدة لبوش الثاني إن أمكنهم Fayez-ez@scs-net.org ">ذلك. Fayez-ez@scs-net.org
|