حيث تشير المعطيات انه منذ توحيد العالم وحتى نهاية القرن التاسع عشر اصبح العالم كله بشكل او باخر مندمجا بالسوق والحقيقة تؤكد هنا ان الاندماج بالسوق العالمي كان قويا وشديدا في حالة المنطقة العربية لسببين الاول هو الموقع الجغرافي المتميز الذي اعطى الوطن العربي اهمية خاصة في التجارة البحرية والتحكم بالهند واسيا بالنسبة للقوة الاسلامية الكبرى .
والعامل الثاني هو توفر النفط الذي اصبح عصب السياسة والحرب والاقتصاد منذ اواخر القرن التاسع عشر عندما جفت ابار النفط الامريكية وتوجهت حينها شركات امريكية بقوة الى الدول التي تملك النفط العالمي المستعمرة في حين كان البريطانيون يتسابقون مع الامريكيين بشكل خاص والفرنسيين لايجاد مصادر الامداد لماذا لان النفط هو عصب النقل البحري وبالتالي فان التحكم بالنفط يساعد على التحكم بالاتصالات وكان انشاء مصفاة رأس تنورة بالسعودية وانشاء اخرى في ايران منذ السنوات العشرين ولاحقا مصفاة البحرين في بداية الثلاثينات كانت جميعها مؤشرات على دمج اقتصادات هذه المنطقة بالاقتصاد العالمي وبالدول المهيمنة التي لا تغيب عنها الشمس بهذا المدخل المهم لانفتاح السوق العالمي كانت بداية الحوار مع الدكتور عصام الزعيم وزير الصناعة السابق رئيس جمعية العلوم الاقتصادية مع محرري الاقتصاد في جريدة الثورة التي استضافته مؤخراً .
واستكمالاً للمقدمة يرى الزعيم ان ما يميز المنطقة العربية امران: الاندماج الشديد وضعف الاندماج وهناك مفارقة للوهلة الاولى وهي ان النفط يشكل عامل اندماج شديد بالاقتصاد العالمي كونه حيوياً للغاية بالنسبة للنقل الجوي والبحري والبري وحيويا لصناعة الطائرات والسيارات وصناعة السفن.
ومن ناحية اخرى فهو حيوي بالنسبة للواقع العربي الا ان الاقتصادات العربية بقيت متخصصة بانتاج المواد الاولية بصفة عامة كالنفط والغاز والفوسفات والحديد والمواد الزراعية كالقطن والحبوب مضيفا ان هذا التخصص المتخلف في انتاج المواد الاولية جعل الاندماج بالمنطقة العربية ضعيفا لان الاندماج اقوى ما يكون عندما يتم من خلال الصناعات والتقنيات المتطورة من هنا نرى ان التحكم بالمنطقة ودمجها بالاقتصاد العالمي قضية حيوية بالنسبة للدول الصناعية الكبرى.
والامر الاخر الذي اشار اليه الزعيم هو عدم وجود صناعة تحويلية وخدمات تكنولوجية متطورة كي يتم من خلالها الاندماج واعطى مثالاً على ذلك بان اسرائيل تندمج في الاقتصاد العالمي عبر انتاج تكنولوجيات وصناعات متطورة حيث اعلنت شركة سيسكو سيتميز وهي من كبريات شركات المعلوماتية في العالم عن شرائها لشركتين اسرائيليتين متقدمتين في البحث والتطوير بميدان المعلوماتية الى جانب الصناعة الالكترونية المتطورة والمرتبطة بالتعاون العسكري الاستراتيجي القائم ما بين اسرائيل وامريكا اذن اندماج اسرائيل العالمي متطور كونها تصدر سلعا عالية الكلفة والقيمة المضافة وشديدة الربحية اما بالنسبة للمنطقة العربية فهي مندمجة اندماجا متخلفا فهي ما زالت تصدر النفط الخام الذي لا يعطي الا القليل من القيمة المضافة اصلا والحديث عن اسعار مرتفعة للنفط هو حديث عن اسعار اسمية وان الاسعار الفعلية حتى عندما بلغ النفط 47 دولار للبرميل كانت الاسعار تمثل 70% من القيمة الفعلية لاسعار النفط في العام 1981 عندما انتصرت الثورة الاسلامية في ايران فالمطروح الان هو اعادة الاندماج خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والنظام الاشتراكي الدولي فالرأسماليون ظهروا من جديد وحاولوا توحيد العالم لاول مرة بعد عام 1917 في اطار السوق من خلال القانون 20 والذي يضم في معظمه نظام السوق والنظام المضاد للسوق وبين الزعيم كيف جاء الصينييون مؤخراً وطرحوا نظام السوق الاشتراكي وهو جمع المتناقضات لكن تمت معالجة هذا الموضوع في اطار الحديث عن العولمة.
وبالعودة الى الاقتصاد السوري قال الزعيم ان اندماجنا متخلف في السوق وغير مربح اقتصادياً ما دمنا نصدر المواد الرئيسية خاما وهذه جميعها لا تتضمن قيمة مضافة ولا نجني الشيء الكثير وبالمقابل نستورد وسائل الانتاج الوسيطة ونستورد سلعا نهائية كالسيارات وبذلك تكون تجارتنا خاسرة والتي غالبا ما تغطيها اما بارتفاع كمية الصادرات او من ارتفاع الاسعار على ان الاسعار ليست اسعارا اقتصادية حتى الان.
وفي رده على سؤال حول ان سورية كانت مختلفة الى حد ما بعد الاستقلال عن الحالة العربية ولم تكن دولة نفطية اكد الزعيم ان ما يميز الحالة السورية هو توزيع الادخارات بين عدة كتل حيث كانت التجارة السورية موزعة بين كل من المنطقة العربية والدول الاشتراكية والغربية في ذلك الحين وهذا النموذج ليس نموذجا عاما وبالمقابل كنا نصدر المواد الخام ونستورد السلع المصنعة كما اسلفنا ولكن الذي جد الان هو مواجهة فتح التجارة العالمية ازالة الحواجز الجمركية بين دول العالم مختلفة اذ لم تبق دولة في العالم خارج هذه العملية باستثناء كوبا بفعل الحصار وهي حالة هامشية اما في الحالة العامة بدءاً من الصين وانتهاء بالدول الصغيرة فان الدمج باقتصاد السوق هو الصيغة العامة حتى ايران التي تبيع منتجاتها للسوق العالمية وتستورد حاجاتها من المنطقة العربية.
صياغة العلاقة مع الاقتصاد العالمي
واضاف الزعيم ان المسألة المطروحة اليوم هي كيف نعيد صياغة العلاقة مع الاقتصاد العالمي على اعتبار ان السوق الوطنية في سورية لم تكن سوقا مفتوحة وهذه ميزة لسورية خلال الفترة السابقة وفي المرحلة الحالية من العولمة كانت سورية تنهج اطار الاحلال محل الاستيراد والتوجه الداخلي في التنمية هذا النموذج لم ينجح تماماً لاسباب تتعلق بضعف الصلة بحجم الاقتصاد السوري والمحدود بتنوع موارده بشكل خاص وغياب منتجات المواد المعدنية وضعف القدرة الاستهلاكية نظرا لحجم السوق وبالتالي فان الاحلال محل الاستيراد ادى الى خلق سوق مقفلة والتي هي بالاصل لا تقوم على مبدأ السوق مشيرا في الوقت ذاته ان سورية كانت داخل اطار السوق من خلال التجارة الخارجية اي ما يشير لازدواجية في اقتصاد السوق بمعنى اندماج بالاقتصاد العالمي ونوع من التوجه الداخلي والاعتماد على الذات وهذا الاعتماد كان يدعمه ويسنده التجارة الخارجية اي عائدات التصدير الا ان هذه المعادلة قلت نوعا ما لان الدول المجاورة لسورية جميعها اخذت بمبدأ التمويل التجاري والدول الاوروبية التي طرحت نفسها شريكا لسورية اخذت منذ عام 1995 مبدأ التحرير التجاري والانضمام الى منظمة التجارة العالمية اذاً المنطقة العربية والمنطقة الاقليمية الاوروبية المتوسطية مندمجة في الاقتصاد العالمي وسورية هنا اصبحت ملزمة ان تندمج كونها لا تستطيع ان تبقى مقفلة هذا من حانب وفي الجانب الاخر نرى ان السوق تأخذ اهمية جديدة وان الداخل سوف يخضع لالية السوق كليا وهنا تبدو المشكلة كون سورية تمتلك ارثا عمره 40 عاما من اقتصاد الدولة والتوجه الداخلي والانغلاق النسبي العالمي فبعد 40 عاما من الاسعار الادارية والدعم يطلب من الاقتصاد السوري ان يلعب لعبة السوق اذا جاز التعبير.
وتابع الزعيم قائلاً: كيف يستطيع اقتصاد لا يملك من القيمة المضافة الا القليل ان يواجه تحدي السوق ? باختصار شديد فان عنصر النجاح في السوق هو القيمة المضافة ومن يحقق تلك القيمة يتقن لعبة السوق وان يفوز فيها ومن لا يحقق هذه القيمة فهو خاسر حتما في الانفتاح الاقتصادي.
والنقطة الهامة التي اثارها الزعيم ولم تستثمر في حينها على الصعيد الاقتصادي بالشكل المطلوب هو ان القائد الخالد حافظ الأسد في العام 1990 استخلص كمفكر استراتيجي فذ الدروس بسرعة شديدة عندما قرر المشاركة بمؤتمر مدريد وقبل ذلك بقوات التحالف لتحرير الكويت اعترافا بميزان القوى الجديدة وانضمامه الى قوات التحالف حين شعر بخطورة شديدة على امن سورية الاستراتيجي هذه القرارات الذكية والفاعلة كانت تعبيراً عن دمج سورية بالحالة العالمية ردا على التحدي الكبير الذي نشأ عن تغيير القوى العالمية الا انه على الصعيد الاقتصادي لم يجر مواكبة لهذا التحول.
واعتبر الزعيم الاجراءات السياسية التي تمت في سنوات الثمانين هي سياسات اجتزائية وتجريبية وعلى سبيل المثال لا الحصر اذا كنا لا نملك وسيلة لتمويل التجارة الخارجية يطلب من القطاع الخاص ان يمول التجارة الخارجية من الاستيراد ويمول الدولة بنسبة 25% من القطع الناتج ثم ناتي للصناعة التحويلية ونفحتها سلعة تلو الاخرى دون ان يكون لدينا موضوع يهم كل من القطاعين العام والخاص من منظور تنموي وليس من منظور قوى العالم.
والامر الاخر والخطير هو الاقرار بفتح قطاع النقل داخل المدن وارسال الحافلات الى الكراجات وادخال الحافلات الصغيرة مما ادى الى استنزاف ثلثي الاستثمارات المخصصة وهذا يعني تبعية متدنية باستمرار لان لوازم السيارات وقطع الغيار والسيارات تتجدد ومطلوبة باستمرار وبالتالي هذا النمط من النقل كان تجسيداً وتعميقا للاندماج العالمي وايضا النقل عبر المدن وظهور الاف الشركات والسيارات الصغيرة.
وفيما يخص القانون رقم 10 لعام 1991 اكد الزعيم ان القانون كان صيغة قانونية فقط وحتى الان لم تنجح بخلق بيئة اقتصادية ملائمة فمشكلة نظام الاقتراض المصرفي لم تحل حتى هذه اللحظة رغم وجود تطور تدريجي في غياب الرؤية الاستراتيجية بعبارة اخرى مقابل التأقلم مع المعطيات الجديدة لم نحدد معطياتنا الجديدة بتحول العالم الى اقتصاد السوق.
وقال د. الزعيم : ان القرار الاقتصادي السيادي بهذا الشأن حسب الدستور هو للقيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي بينما لا تمتلك تلك القيادة القدرات البشرية والكفاءات الدراسية التي تمكنها من قيادة التغيير الاقتصادي مثل تطبيق فصل الادارة عن الملكية اما الوزراء السوريون فلا يمتلكون السلطة في مثل هذه الامور وينظر اليهم كموظفين فالتركيبة الوزارية في سورية يتخللها الكثير من التشوهات.
يتبع