تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


التراث والمعاصرة

صفحة أخيرة
الاربعاء12/1/2005م
الفنان بسام كوسا

هاتان الكلمتان اللتان تربعتا على سدة المقالة, لهما تأثير عجيب على المشهد الثقافي العربي, منذ عقود طويلة.

فكيف يمكن أن يكون لهذين المصطلحين القدرة على التناغم والتنافر في الوقت نفسه? إنه شيء مدهش!‏

إن أي متتبع لتفاصيل الحياة, لابد له من أن يلاحظ هذا الانسجام الغرائبي في تفاصيلنا اليومية.‏

فقد دخل عنترة العبسي في ثنايا الشعر الحديث, والتصقت نوافذ (الألمنيوم) على جدران دمشق القديمة, وتدلت خرزة زرقاء مشكولة على أحدث أجهزة التلفزيونات وطبعت راحة الكف بالأصابع الخمسة, بدم ذبيحة, على سيارة حديثة, اشتراها صاحبها ممن يؤمنون بالتراث والمعاصرة معا.‏

كما عقدت سلسلة ذهبية على مرآة سيارة أخرى, وقد تدلى منها عين زرقاء مفتوحة على آخرها, وأشياء أخرى مربوطة بالتراث برباط وثيق جدا.‏

كما نحتت أقوال مأثورة على واجهات بعض البيوت العظيمة الضخمة (هذا من فضل ربي... فقط)!!‏

وطبعت كتب ومؤلفات في أحدث مطابع في العالم, تحوي بداخلها العجب العجاب, فيمكن أن تقرأ فصلا عن كيفية علاج السل الرئوي, عن طريق الأدعية والبخور!!‏

وتقرأ أيضا عن الطريقة الناجعة لسحب الجني من داخل المرضى المصابين بداء السرطان!!‏

لقد اشتبك التراث والمعاصرة مرة أخرى, حتى يخال للمرء أنها كلمة واحدة مؤلفة من شقين.‏

عند العودة إلى التاريخ نكتشف أن ما هبط على رأس هذه الأمة من ويلات, في الماضي السحيق أو الوسيط أو القريب, هو ذاته ما يهبط فوق حياتها في الحاضر المعاصر. إلا أن الأدوات المستخدمة لطحن روح المجتمع هي التي اختلفت, وكل وسيلة تتناسب مع عصرها.‏

ها هم التتار, والمغول, وسقوط الدولتين الأموية والعباسية تباعا, والعثمانيون, والبريطانيون, والفرنسيون والأميركان... الخ.‏

من انهيار إلى انهيار, ومن إحباط الى إحباط, كانت الحشود تتخبط.‏

مرة تصفع بالتراث, وأخرى بالمعاصرة.‏

والدماغ العربي يتنقل ككرة التنس تارة الى هنا وأخرى الى هناك.‏

والعيون ذاهلة وغير مستوعبة, لمَ يجري كل هذا?‏

ولماذا يحصل كل ما يحصل?!‏

ضغطت زر التلفاز (الرائي) بعد أن أبعدت الشبة والخرزة الزرقاء المعلقتان بأناقة على جهاز (الستالايت), وتابعت بعض ما تيسر لي من أعمال درامية تاريخية, فلاحظت أن بعضها قد (نبش ونكت) التاريخ بلا رحمة, وذلك باسم المعاصرة والحداثة.‏

قلبت القناة لأشاهد بعض الأعمال الدرامية المعاصرة قد (فظعت) بالحياة, من خلال مفاهيم متخلفة, بالية, وذلك باسم التراث والمحافظة عليه.‏

اغلقت التلفاز, وخرجت الى الشوارع, فانتبهت أن عيون الخلق ذاهلة مستغربة متسائلة, أوقفني رجل عجوز وسألني بمرارة: من هدّم الأمويين والعباسيين?!‏

فقلت: ماذا? حيث اني لم أفهم.‏

فكرر: من (نكش ونكت) ساحتي الأمويين والعباسيين? عندها فهمت ما يقصد فقلت له: عم يظبطوهن. وذهبت, فبعض العباد يعتقد أن الساحتين معقدتين جدا جدا ولم تصادف البشرية حال مركب كهذا.‏

ومنهم من ذهب الى أن ساحة (العباسيين) واختها (الأمويين) قد تكونان من أكبر ساحات المدن في العالم المعاصر والقديم والحر, ولذلك فحل معضلتيهما ليس بالأمر الهين!! وآخر اعتقد أن هناك -لابد- توجد بعثة أثرية تنقب (وتبحش) عن كنوزنا المهدورة قبل الكشف, والمهدورة بعده!!‏

وآخر تمنى أن لا يتدخل أحد بأمور لا يفهم بها, ويترك أصحاب الشأن بحل المعضلات, فأهل مكة أدرى بشعابها.‏

هذه الجملة تعيدنا مرة ثانية الى صلب مفهوم (التراث والمعاصرة) انقذنا الله.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية