والسؤال الذي اثير بداهة هو لماذا يقتصر رصد الانتهاكات او التجاوزات على مجموعة دينية بعينها دون بقية الاديان مثل المسلمين الذين تتعرض حقوقهم منذ احداث 11 ايلول لانتهاكات خطيرة في عموم البلدان الغربية وخاصة في الولايات المتحدة نفسها ?
ومن نافل القول ان هذا القانون الذي ولد من رحم المزاودات بين المتنافسين في الانتخابات الاميركية الاخيرة بغية ارضاء القوى المناصرة لاسرائيل انما يراد له ان يكون سيفا جديدا يسلط على رقاب كل من يجرؤ على انتقاد اسرائيل اوالتشكيك بالمقولات - الكذبات التاريخية التي اطلقتها الحركة الصهيونية منذ نهاية القرن التاسع عشر .
ومن اهم هذه المقولات - الكذبات ان اليهود هم اصحاب الحق الاصليون في ارض فلسطين التي وعدهم الله بها ( ارض الميعاد ) تتممها كذبة اخرى عن خواء ارض فلسطين قبل قدوم اليهود ( ارض بلا شعب لشعب بلا ارض) اضافة الى مقولات ( النقاء العرقي ) ( والتواصل التاريخي) بين يهود (الدياسبورا ) وارض فلسطين .. الخ .
وسعت الماكينة الصهيونية الى تقديم هذه الاكاذيب كحقائق ثابتة لا تقبل النقاش حتى من جانب الباحثين والمختصين , وكل من يحاول التشكيك فيها يترشح تلقائيا لتلقي تهمة معاداة السامية التي باتت سلاحا ترهيبيا في وجه الساسة والباحثين والاعلاميين على السواء . والواقع ان تعبير معاداة السامية خاطىء بحد ذاته لان نسبة اليهود بين الشعوب السامية لاتكاد تذكر حتى لو افترضنا ان جميع اليهود الحاليين في العالم والذين لايزيد عددهم عن 15 مليونا هم يهود اقحاح علما ان 80% منهم هم من يهود الخزر الذين تهودوا قبل اربعة أو خمسة قرون في ظروف غامضة ولا علاقة لهم ولا لاجدادهم بأرض فلسطين , وبالتالي فهم ليسوا من الساميين بأي حال , وفضلا عن ( اليهود المحدثين ) الذين جلبتهم الوكالة اليهودية العالمية من مناطق شتى في العالم مثل اثيوبيا والهند والارجنتين وغيرها الى اسرائيل مستغلة ظروفهم الاقتصادية الصعبة بالرغم من الشكوك الكبيرة التي اثيرت في اسرائيل نفسها بشأن مدى يهوديتهم بالفعل.
ومن هنا فان من يذكر بهذه الحقائق انما يضرب على وتر حساس لدى اسرائيل والدوائر الصهيونية العالمية التي تحاصر وتهاجم كل من يحاول ملامسة العورات والثغرات في روايتها للتاريخ اليهودي القديم والمعاصر والتي جرى حبكها بعناية لخدمة المشروع الصهيوني في ارض فلسطين .
وعلى الاعلاميين والساسة والمثقفين العرب قبل غيرهم عدم التهيب من تسمية الامور بمسمياتها كلما اقتضت الحاجة وألا يكونوا شهاد زور على اغتصاب ذاكرتهم بعد اغتصاب ارضهم وكرامتهم.
ولاننسى ان رجالاً شرفاء كثرا مثل المفكر الفرنسي روجيه غارودي ورئيس الحزب الشيوعي السابق زيغانوف والامين العام للامم المتحدة ورئيس النمسا الاسبق كورت فالدهايم , فضلا عن اخرين غيرهم وآخرهم نائب مدير محطة فرنسا الدولية امتلكوا الشجاعة الكافية لقول الحقيقة حتى ولو دفعوا الثمن .
والحقيقة التي قد تغيب عن البعض هي أن اسلحة الصهيونية مهما بدت قوية ورهيبة وقادرة على تجييش العالم ضد خصومها , تكون ضعيفة التأثير اذا ما ووجهت بتصميم وبجبهة متحدة . والحركة الصهيونية العالمية نفسها تعرف ذلك جيدا . يقول احد منشوراتها الموزعة على يهود الاتحاد السوفيتي السابق ( ان الروس كلهم معادون للسامية بطبعهم , لكن بمجرد الصاق التهمة بأحدهم سرعان ما يتبرأ منه الاخرون ) ولعل هذه هي بالضبط نقطة قوتهم !.