يبقى وحتى يزيد تعنت اسرائيل في فرض ظروف حياة على أهالي المنطقة من جانبها وحدها ما يزيد من تكريس تواجدها في تلك المنطقة كعنصر غريب فيها وستواصل الأجيال المقبلة الإسرائيلية دفع ثمن ذلك.
ولايثير عدم تمكن اسرائيل من حسم الحرب مع لبنان بسرعة أي دهشة أو تعجب حيث ربى الجيش الإسرائيلي ومنذ ست سنوات خلت جنوده على ضرورة اعتبار جميع الاعتداءات التي يقومون بها في الأراضي المحتلة بمثابة ( حرب) أو ( معارك).
وأبقينا على الخرافة التي تقول إن ثمة تكافؤاً بين الجيش الإسرائيلي النظامي المدرب والمجهز جيدا وبين الفلسطينيين الذين يملكون اسلحة خفيفة وقنابل يدوية الصنع يتنقلون بين الدبابات وطائرات الهيلوكبتر في تدمير وتخريب بيوت وحقول الفلسطينيين وصحيح أنه وفي عدة مناسبات نجح الفلسطينيون في تنفيذ عمليات ضد الإسرائيليين على طريقة حرب العصابات أوقعوا خلالها إصابات بين قتيل وجريح ولكن ذلك ليس سوى استثناء بينما العمليات الانتحارية التي كانوا ينفذونها داخل إسرائيل تدل على الضعف العسكري لدى المنظمات الفلسطينية.
وزج الجيش الإسرائيلي في لبنان جنودا اقنعوهم بأن الحرب هي عبارة عن هدم منازل لاجئين بواسطة الدبابات والجرافات وأن المعركة هي اطلاق الصواريخ من أعلى طائرة الهيلوكبتر على مقاتلين مسلحين ببنادق الكلاشينكوف والذين لا يستطيعون حتى خدش الدبابة الإسرائيلية وهؤلاء الجنود يعتقدون أن الدفاع عن بلادهم يعني منع آلاف الاشخاص من العيش ككائنات بشرية ووضع الحواجز الطرقية في أراضيهم.
وشهدنا في السنوات الأخيرة المنصرمة شططا كلاميا من الجانب الإسرائيلي حيث عمد الجيش الإسرائيلي إلى وصف المنازل الموجودة شمال إسرائيل والتي تركها سكانها هربا من صواريخ الكاتيوشا ( بالمهجورة) وهذا في مفهوم الناطق العسكري الإسرائيلي أسلوب من أجل تبرير التدمير المنهجي عبر الجرافات لمنازل الأهالي المدنيين في خان يونس ورفح الذين هربوا منها بسبب القصف الإسرائيلي عليهم.
وتلك الجرافات لن تهدم المنازل الإسرائيلية في الشمال ولكن لماذا على سبيل المثال لا يحمل اللصوص كل ما تقع عليه أيديهم? إننا لا نستطيع أن نزعم سوى أن تلك المنازل هي مهجورة في الأصل.
أما لماذا نسلط الأضواء في هذا الحين على تلك الأمور? أولا لأن الحرب ضد الفلسطينيين لازالت مستمرة وثانيا لأن سياسة الكيل بمكيالين واحتقار اسرائيل لكل ما هو ليس منها يفسر لنا جيدا أسباب تعرض اسرائيل دوما لتلقي ضربات موجعة وفي قناعة اسرائيل أنه في لبنان كما في غزة والضفة الغربية تعتبر سلطتها غير المحدودة في التدمير عنصراً وعامل ردع وتحريض لإجراء التغيير السياسي وهم يجهلون العامل الإنساني مع العلم أن قدرة المقاومة والصمود لدى الفلسطينيين واللبنانيين تزداد طردا مع ازدياد قدرتنا على التدمير.
إننا بالمعنى الدقيق مهتمون جدا بالوضع الذي يعيشه سكان شمال فلسطين من الإسرائيليين ونحن فخورون بشجاعتهم ونغتاظ ونتألم لكل قتيل يسقط في صفوفهم وكل صاروخ يطلق عليهم ونتقاسم الهم مع أولئك المهددين بالخطر ولكن تصوروا ما يعانيه سكان الشمال منذ بضعة أشهر وأضيفوا إلى ذلك الحصار الاقتصادي وانقطاع المياه والكهرباء وعدم تقاضي الرواتب إنه الواقع الذي يعيشه منذ ست سنوات سكان غزة لقد اطلقت الحكومة الإسرائيلية يد جنودها ليعملوا الهدم والدمار ونشر الموت في الأراضي الفلسطينية وهنا كما في لبنان يتجلى الفشل الحقيقي والواضح في المعلومات والاستخبارات والأمن وفي ممارسة سياسة الدمار دون اي وازع أو رادع والصبر العجيب هو الذي يبديه الفلسطينيون ولذلك تعيش اسرائيل أوهام (النصر) وإن كان ثمة من يطلق الصواريخ على مستوطنة سيدروت بالرغم من الآلام التي يعانيها الفلسطينيون فذلك لأن في اعتقاده ولسبب وجيه أن قدرة اسرائيل على التدمير عاجزة عن وقف اطلاق صواريخ القسام أو اطلاق سراح الجندي جلعاد شاليت وانما الهدف من تلك القدرة التدميرية هو دفع الشعب الفلسطيني على الخضوع والإذعان وهذا ما يرفضه هذا الشعب وليس من خلال تسجيل انتصارات عسكرية وانما بسبب قدرته على الصمود والصبر.
* صحفية إسرائيلية