لقد سمعنا مصادر عديدة من ضمنها وزير الحرب الأميركي تتحدث عن « بصمات القاعدة » . وسندها الوحيد هو الطبيعة الانتحارية للعمليات المنفذة . وهذا قد يكون صحيحاً من حيث المبدأ .
ولكن تعالوا بنا نحاكم الأمور من منظورنا نحن , وليس من منظور وزير الحرب الأميركي وأشباهه من المغرضين . ولنطرح بداية السؤال التالي : هل يطبق إرهابيو القاعدة مثلاً اعتراضياً يقول : « يا رايح كثّر المذابح ! « بدلاً من المثل المعروف » يا رايح كثّر المنايح » ؟ . ما حاجة تنظيم القاعدة إلى استخدام 1000 كيلوغرام من المتفجرات في القزاز و 1200 كيلوغرام في الشعار ؟ .
اسمحوا لنا أن نقول ببساطة إن استخدام مثل هذا الحجم من المتفجرات يعني أن ما حدث يحمل « بصمات الموساد » أو « بصمات المخابرات الأميركية » أو « بصمات الطرفين معاً» . وهذا لا ينفي « بصمات القاعدة » , لكنه يؤكد الشراكة بين القاعدة وبين هاتين الجهتين .
لسنا أغراراً بحيث لا نرى بشكل واضح أن عمليتي القزاز تمّتن بأمر من الموساد الصهيوني تحديداً , سواء تلقت القاعدة هذا الأمر من الموساد مباشرة أو عبر المخابرات الأميركية . هل تريدون البرهان على صحة ومنطقية ما نقول ؟ .
في عدد جريدة « الثورة « يوم 29 نيسان الماضي , رجحنا الاحتمال المتعلق بوجود دور مباشر للموساد في ممارسة الإرهاب في سوريا , من خلال « الخلايا والشبكات المرتبطة به » , متوقعين أنها ستواصل عملياتها في أماكن متفرقة أو متباعدة دون أن تلتزم بخطة عنان ؟ , وقلنا إن « هذه الخلايا تستهدف عادةً العلماء والخبراء والضباط الكبار. وغالباً ما تتخذ عملياتها شكل الاغتيالات أو استهداف وسائط النقل التي تقل هؤلاء . وبالتالي , فإن استمرار هذا النمط من العمليات رغم أنف خطة عنان يدل على أن الموساد الصهيوني مستمر في استغلال الأوضاع لتنفيذ خطته الخاصة » . هذا ما قلناه , وقد ترافق أيضاً مع اتهامات وجهها غيرنا للموساد حول عمليات معينة اتخذت شكل العبوات اللاصقة أوالاغتيالات خلال تلك الفترة . فما الذي حدث بعد ذلك ؟ .
ما حدث عملياً أن الموساد أحسّ بأن ورقة انغماسه في الفعل الإرهابي بدأت تتكشف. ومن الطبيعي أن يفترض بأن الاتهامات الموجّهة إليه لا تعتمد فقط على وجود « بصمات الموساد » في تلك العمليات , وإنما أيضاً على معطيات أخرى من شأن متابعتها أن تؤدّي إلى كشف عملائه . لذلك نلاحظ أنه منذ مطلع شهر أيار تراجع , بل تقريباً توقف , نمط العمليات الإجرامية المخطط لها مسبقاً والتي يمكن أن نعزوها لشبكات الموساد تحديداً لكونها تحمل « بصمات الموساد » , بينما جرى بالمقابل اعتماد العمليات الإرهابية التي تحمل « بصمات القاعدة « .
إن التفسير الوحيد لهذا التغيير هو اضطرار الموساد لاتخاذ إجراء احتياطي لحماية الخلايا والشبكات التابعة له بإدخالها مرحلة الكمون أو مغادرة مفاصلها الأساسية لأراضي القطر إلى ملاذات آمنة في الأقطار المجاورة ليتم إعادتها في وقت لاحق متى اطمأن إلى عدم اكتشاف هوية أعضائها . بتعبير آخر كان عليه أن يطبق المبدأ المعروف « هدّئوا اللعب» !! .
ولكن هل كان هذا وحده هو الإجراء الذي لجأ إليه الموساد ؟ .
يقيناً لا , فقد كان عليه أن يلجأ إلى إجراءين :
- أولهما : التعويض عن كمون شبكاته بتنشيط شبكات الإرهاب الأخرى لإشغال الأمن السوري بمواجهة هذا الإرهاب من جهة ولإخفاء دوره من جهة ثانية . وهكذا استنفر القاعدة وغيرها من العناصر الإرهابية , سواء مباشرة أو بالتعاون مع الأطراف الأخرى كالمخابرات المركزية الأمريكية والسلطات السعودية والقطرية والتركية .
- وثانيهما : استهداف الجهاز الأمني المتخصص بمطاردة شبكات الموساد والعمل على تصفيتها لعرقلة دوره في هذه المطاردة . وهذا الجهاز هو عملياً « فرع فلسطين».
والسؤال الآن : ما هو الفرع الأمني الذي استهدف في سياق مجزرة القزاز الإرهابية؟. ألم يكن « فرع فلسطين » بالذات ؟ أي فرع مكافحة التجسس الصهيوني بالذات ؟ أي الفرع الذي يفترض أنه يلاحق أي معلومات يمكن أن تقود إلى الكشف عن خلايا وشبكات الموساد بالذات ؟ . وعندئذ , أليس من السهل استخلاص أن هذه العملية إنما قرّرها الموساد , ونفذها عملاءٌ للموساد , سواء كان هـــؤلاء من « الموســاد » أو « القاعــــدة » أو ما يسمى بـ « الجيش الحر » ؟ . فـ « بصمات الموساد » هنا هي البصمات الأقوى بكل تأكيد , وإن كان التنفيذ يحمل « بصمات القاعدة » . وحين يخرج الوزير الأميركي ليتحدث عن « بصمات القاعدة » فإنه يريد أن يضلل الناس حتى لا يروا « بصمات الموساد » أو « بصمات السي آي إي » . لكننا بتنا نعرف الآن يقيناً أن « القاعدة » هي « قاعدة القواعد » الأميركية , وليست ذلك التنظيم الإرهابي المنفلش الذي ليس له صاحبٌ أو مموّل أو راع كما يزعمون .
ربما قال البعض : إذا كان استهداف « فرع فلسطين » ضمن مجزرة القزاز يحمل «بصمات الموساد » , فماذا عن استهداف مخفر وحيّ الشعار في حلب ؟ هل يحمل « بصمات الموساد » أيضاً ؟ .
دعونا نتذكر أن أسامة بن لادن أراد ذات يوم أن يبيّن مدى الاستهتار الأميركي بالحياة الإنسانية , فضرب مثلاً لا نستطيع استذكاره بنصّه , ولكنه يبيّن فيه كيف أنهم لجؤوا أحياناً إلى استخدام قنبلة ضخمة لقتل إنسان تكفي لقتله رصاصة زنتها بضعة غرامات. دعونا نطبق هذا المثل على « القاعدة» : إذا كان مخفر الشعار هو المستهدف , فإن تدميره قد لا يحتاج إلى عبوة تزيد على 50 كغ , فما بالهم يستعملون عبوات زنتها 1200 كغ ؟ . ألا يعني هذا أن الحيّ بكامله هو المستهدف ؟ . وفي هذه الحالة أهي « بصمات القاعدة » التي تستهدف حيّاً بكامله وتسعى إلى قتل وجرح آلاف البشر دفعة واحدة أم هي « بصمات الموساد » أو بصمات شركائه في المخابرات الأمريكية ؟ . أياً كان الجواب , فإننا نعرف الآن يقيناً أن بصمات القاعدة والموساد والسي آي إي وآل سعود وآل ثاني وآل أردوغان ومن على شاكلتهم هي بصمات واحدة موحّدة , وأنهم جميعاً « حلف الشيطان » .
إن ما هو واضح تماماً الآن , هو وجود شبكات متكاملة للإرهاب , كل منها لها طبيعتها وبنيتها ووظيفتها والأسلوب الذي تدار به بأسلوب « التحكم عن بعد » الذي تتولاه غرف للعمليات بعضها في واشنطن , وبعضها في تل أبيب . وعلينا أن نواجه كل هذه الشبكات , وألا ننخدع بالمحاولات الرامية إلى الادّعاء بأن القاعدة هي مصدر الإرهاب الوحيد .