ففي ذاك اليوم واجه الموت بكل أشكاله ولكنه اكتشف أنه لا تزال فيه بقية من إرادة الحياة أوصلته إلى اللحظة الثانية التي ردد فيها أبيات شعر أبيه، غير انه في هذه المرة كان يتلوها كاملة مصراً على ألا يهرب من الحياة وأن يخوض معركته ولو كانت الأخيرة .
أوتواي (ليام نيسون) رجل بائس يعمل لحساب شركة بترول كبرى، كان مع فريقه في آلاسكا، أما مهمته فهي قتل الذئاب التي قد تهاجمهم. و في طريق العودة تحطمت الطائرة بعاصفة ثلجية قاسية ولم ينج من الطائرة سوى أوتواي وستة من زملائه وجدوا أنفسهم وسط الصحراء الثلجية محاطين بالذئاب. لم يكن أمامهم سوى الابتعاد عن منطقة الذئاب بتوجيهات من أوتواي. و في الواقع كانت رحلة نحو الموت، فمن لم يمت بين أنياب الذئاب مات بنقص الأوكسجين و التجمد من العواصف الثلجية ، او ربما من السقوط من مكان شاهق او الاختناق بماء النهر.. و مع سقوط كل رجل ، كان زملاؤه يحتفظون بمحفظته علها يوما تجد طريقا الى أحبابه كذكرى منه.
ووسط هذه اللحظات القاسية وجد (مقاتلو الموت) فرصة للبوح بذكريات وهواجس ومشاعر.ربما من أكثر المواقف ألما حين تعرفوا على أسمائهم الأولى لحظة فراق احدهم، فهؤلاء الفقراء البائسون ما كانوا يعرفون عن بعضهم البعض سوى أسماء عائلاتهم، اذ لم تكن لأسمائهم أهمية ولا لحياتهم ولا لذكرياتهم، وما كانوا أصلا يتوقعون وصول معونات لطائرة ضاعت في الصحراء تحمل ركابا من أصحاب الرواتب الهزيلة.
فيلم (الرمادي-The Grey) من إخراج جوي غارناهان ، و يقصد بالعنوان الذئاب الرمادية أو ربما الكئيب ، وليست الكآبة متمثلة في تلك الصحراء البيضاء القاسية التي تتربص بمن يمر فيها، و لكنها أيضا كآبة في روح أوتواي الذي فقد حبيبة كان خيالها يلاحقه طوال رحلة الموت طالبا منه ألا يخاف. الرمادي رغم كل كآبته يمجد الحياة مقابل الموت، و يعتبر بأن الحياة مهما كانت كئيبة فإنها تستحق أن نقاتل لأجلها.