وفي مثل هذا المناخ يبحث أصحاب النفوس الضعيفة عن ذرائع وحجج تؤهل غدرهم للانطلاق وتمهد السبل كلها لكي يحدث فيها الحريق، ويكون أول المنتجات الحرام في مناخ الشر والهيمنة هذا الاختراع الذي يتدرج ليصبح غريزة عند الأنظمة والدول كما في سلوك الأحزاب والتنظيمات، ومن ثم في انتشار المخترعات السموم لتصبح في حالات كثيرة ثقافة الفرد وغريزة الفرد ولربما سعادة هذا الفرد.
ويتجلى هذا الوباء أكثر ما يكون في نهج الفبركات الفكرية والسياسية والاجتماعية التي يتفنن المعتدون في إطلاقها، وقد غذوها بخبرة الاستعمار ومعطيات التكنولوجيا الحديثة المدمرة في الغرب، وتسللوا بها عبر ثغرات الشعوب والدول المسكونة بالضياع والتخلف واستغلال جهد الإنسان. وهنا يحدث التطابق إلى درجة التكامل الكلي ما بين سادية المعتدي في إطلاق الفبركات والخدع والأكاذيب مع أطر ومحاور الشعوب المستكينة والتي أنهكها التاريخ والاستغلال وبعض الثقافات المختطفة كما هو الحال في الثقافة الإسلامية التي سلخوها عن إسلام الحق والقوة والجمال، وأطلقوها كعبوات مخدرة في الزوايا والتكايا والغرف المظلمة ثم راحوا يدبرون المكائد والمصائد تحت جنح الظلام والاحتيال، والفبركات هذه، هي نسق بموادها ومنظومة بمآلاتها أي إنها عالم أو شبه عالم تدخل فيه كل التراكيب والخصائص التي صممت أصلاً على وحدة القوة الفاجرة من المعتدي والمشاعر الضامرة من الضعفاء، وهذه الفبركات تأتي نهجاً متكاملاً يتقدم على العدوان ويمهد له ويرافق القتل والتدمير ويغطيه ويبرره ويمرره ثم يترك الأبواب المحطمة مفتوحة تأن ولا يصدر عنها سوى هذا الصرير الذي يستدرج كل الأفاعي والغيلان وأكلة نفوس البشر ولحومهم لكي يجتاحوا المواقع المخربة، وفيها يقيمون الأفراح والليالي الملاح، وهذه الفبركات هي عنوان مهم في الصراع الامبريالي الصهيوني الرجعي ضد سورية العربية في هذه المرحلة، وهي طبق شهي أعدوه سلفاً ونظموا إطلاقه حسب الحاجة والضرورة وعند المفاصل النوعية الصعبة.
ونمط التحليل في هذا العمل العدواني والتداخل معه والتماسك مع مدخلاته ومخرجاته يدلنا على أن الأمر ليس بسيطاً، ولا هو مجرد أكاذيب عابرة، إن للفبركات كما نتابعها اليوم قواعد وحيثيات وطرقاً ومناهج وخبرة أساسها الجمع ما بين القتل بالرصاص والقتل بالكذب والاحتيال، ومن هنا نشير إلى النقاط التالية في الفبركات السياسية والفكرية والعسكرية:
1-هي تعبير عن طبع وطبيعة لا تنفصل عن القتل والتدمير ولا تبتعد عن القاتل والطامع والحاقد، أي إن هذه الفبركات هي قيم عند الآخرين، وقد تحولت مع الأحقاب والعصور عند الغرب والصهيونية إلى مصدر خداع وخط من السلوك وحدود من التربية، فصار الكذب والمستعمر صنوين لا يفترق أحدهما عن الآخر وها هو العصر الحديث يخبرنا بذلك من الانتداب إلى التدخل السافر إلى الاحتلال بالمدفع والدبابة ثم إلى هذا الاندماج العضوي ما بين نظام الاستعمار الدولي مع مفرزاته وأدواته عبر التنظيمات الإرهابية.
2-وهذه الفبركات هي عدوان متقدم على الفتك العسكري وحاضن للدمار والخراب بعد معارك الموت والدمار، أي إن هذه الفبركات هي أصل وجذر من القيم والممارسات الاستعمارية الصهيونية والرجعية وما برحت هي المؤشر الذي يقدم هذه القوى بغدرها وشرورها لأوسع تجمعات البشر ولأطول مسيرة في الزمن، ومازالت الفبركات تفتك بالعالم المستضعف تتغير صيغها وأشكالها ولكنها في الجوهر واحدة على قاعدة الانتماء العضوي للمعتدين مع ما ينتجه المعتدون من أساليب خداع ومواد تهريب للمواقف التي تتحرك من الرغبة إلى إزهاق الأرواح البريئة، إن هذا الاختيار المتوطن والمتوطد في البنية الغربية الامبريالية هو بنيتهم ذاتها، أي إنه ليس مادة مضافة إلى برنامجهم القائم على القتل ونهب الثروات، وفي هذا الإطار فإن أي ذريعة موجودة أو مفترضة تصلح أن تكون مادة لبناء الخديعة والاحتيال ومبررات الاعتداء عادة.
3- وحينما نذهب مع هذا النهج الشيطاني في اللحظة الراهنة نعرف كم هي حقائقه مزورة ودون تردد أو احتياطات أو حذر يتم التصميم والإطلاق والاستثمار في الفبركات ثم يستدعي الأمر عندهم أن يصدقوا ما كذبوا فيه وأن يطلبوا من العالم كله بالعسف أو بالتبرير أن فبركاتهم هي الحقائق عندهم وعند الآخرين، ولعل هذه النظرة المشحونة بعمى البصر والبصيرة والمفعمة بخلاصات فكرية وتطبيقية ينتجها علماء مزيفون وكتاب مصطنعون وقيادات استهواها الدمار والقتل، وكل هذا السياق هو الذي يفرض حضوره الآن في الصراع المصيري ما بين الوطن السوري منبع السلام والحضارة والجمال والقوى الغربية والصهيونية صاحبة الامتياز لأرقام قياسية أعمق من موسوعة غينيس في تطاول زمن الشر وانتشار إرادة القتلة والطلب من العالم أن يلتحق بالمجرمين.