على أنّ ذلك يعود للتقديرات التي تُراوح بين استراتيجيتين مُتصارعتين، وتقف بين حدي مُخططين يتصادمان، لا بد أن تؤدي هذه الانقلابات بالعقل لا بالانفعال إلى تقدم في اتجاه وتراجع في الآخر مع ما يعنيه ذلك من انتصار كامل في مقابل هزيمة مُكتملة.
المُقدمات التي أدت لوقوع المحاولة الانقلابية ضد نهج الإخوان وتفردهم بالحكم ما زالت قائمة، ومن الواضح أنّ السلطان الواهم أردوغان سيُضيف لها خلال حملة التصفية التي يقوم بها أضعافاً مُضاعفة، ما يؤكد أنه سيُقدم بسرعة المزيد من الأسباب التي تضمن نجاح الانقلاب القادم، بدلاً من أن يتخلى عن أوهامه، وبدلاً من أن يُسجل تراجعاً يُؤسس لانقلاب تدريجي على الذات يُصحح به ما أمكن من أخطائه الكارثية التي قد يكون أمر تصحيحها بات من المستحيلات، فضلاً عن أنّ قيادة الانقلاب على الذات واقعياً لم يعد ممكناً ولا كافياً.
في خطوة مُماثلة ربما بات من الثابت أنه يقع على أطراف دولية وإقليمية - أميركا، فرنسا والسعودية وغيرها - واجب القيام بانقلابات تدريجية على الذات، صحيحٌ أنها خيارات صعبة واحتمالات وقوعها تساوي الصفر، لأنها ستؤذي هذه الأطراف بالمدى المنظور، غير أنها على المدى البعيد ستكون أكثر جدوى لها، طبعاً هذا إذا كانت هذه الأطراف قد أدركت المخاطر على مستقبلها، ذلك أن سقوط مُخططاتها ومشاريعها على النحو الحاصل سيُلحق بها أعظم الأضرار وسيُحملها تكاليف وأعباء لا حصر لها، وسيُدخل العالم في دوامة من عدم الاستقرار لا نهاية لها.
على تركيا الحالية أن تُعلن انسحابها الفوري والعاجل من المشروع الصهيو أميركي، وفي أثناء ذلك لا بد لها من أن تتخلى علناً عن أوهامها بإحياء السلطنة وأن تدرك بأنه لا حياة لمشروع أخونة المنطقة، وأن تلتفت لإجراء مصالحة تاريخية مع أطياف مجتمعها، وأن تتحلى بالواقعية في ذهابها واندفاعها نحو الغرب وأوروبا، وعليها قبل كل ذلك أن تستوعب درس الصمود السوري في مواجهة أطماعها والإرهاب التكفيري الذي تدعمه. وإلا فعليها أن تتجرع مرارة وآلام سقوط مدوٍ قادم لا فرار منه.
أما السعودية، وأخواتها، فما من سبيل لانقلابات ذاتية تُصحح أوضاعها غير القابلة إلا لتكون مسرحاً للتخلف والجاهلية وإلا ملعباً لأميركا تُقلّب في صفحات وهابيتها والوجوه الكالحة واللحى الصفراء بهدف الاستثمار في القبيح والأقبح والأشد قبحاً منهم. ولأن السلام والاستقرار يُخالف مصلحة أميركا، لا يخدمها ولا يُحقق لها ولإسرائيل ما تسعيان له، فمن غير المنطق انتظار انقلاب أميركا على ذاتها حتى لو كان هذا الخيار أقل تكلفة لها.
الانقلاب الأميركي سيقع لكن على الاتفاق النووي مع طهران، والاستثمار الأميركي في اللحى الوهابية الصفراء القذرة سيستمر، وأولى بوادره قد تكون ظهرت بتقرير الأمم المتحدة بشأن الاتفاق مع إيران، وهو التقرير الذي خالف بإشراف جيفري فيلتمان القرار 2231. وإن الخلافات التي تطفو على السطح بين واشنطن وأنقرة على خلفية الانقلاب وتعمّد الأخيرة تعطيل أنجرليك، وإن الخلافات بين واشنطن والرياض على خلفية 11 أيلول، قد تكون المقدمة لاستبدال المُحترقين في السعودية وتركيا بآخرين، ولتكليفهم بمهمات جولة التصعيد القادمة التي قد تكون مع ترامب أو كلينتون أكثر جنوناً حتى من حقبة المعتوه بوش الابن.