تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الفن التشكيلي ... أي دور يمكن أن يلعبه في حوار الحضارات؟

ملحق ثقافي
21/3/2006م
يمكننا القول إن الفن عموما والتشكيلي منه خصوصا هو واحد من أهم الفنون وأكثرها سموا ورقيا, ذلك أنه قادر على تحقيق التواصل والتفاعل الحضاري مع الآخر بيسر وسهولة قياسا إلى غيره من الفنون، كما أنه أقدر من غيره على إيصال الصورة الحقيقية للعرب والمسلمين للآخرين إذ أنه أحد أهم وسائل الإعلام التي يسهل من خلالها الوصول إليهم وإعطائهم الصورة الصحيحة لنا .

ولكن ما هو الدور الذي يمكن للفن أن يلعبه الآن بعد أن اهتزت نظرية حوار الحضارات في رأي البعض؟ هل ما زال الفنان التشكيلي في العالم العربي والاسلامي قادراً على إعطاء الصورة الصحيحة لحضارته من خلال لوحاته الفنية ؟ ما هي اللوحة القادرة على إيصال صورتنا الحقيقية للآخر, وهل يختلف الآخر في تعامله مع الفنان التشكيلي عنه مع غيره ؟ فيما تعتقد شيرين الملا, وهي تشكيلية سورية مقيمة في إيطاليا، أن الفن لغة عالمية وله دور هام في عملية التواصل بطريقة أرقى وحساسية أعلى, كما أنه هو السلاح الثقافي في مواجهتنا الإعلامية مع الآخر ولاشك أن الثقافة والفن التشكيلي بإمكانه إيصال رسالته وخلق جسر من التواصل مع الآخرين، والفن تقنية عالية لمواجهة الواقع لأن لكل عصر تقنياته ولغاته, وأعتقد أن الفن هو لغة عصرنا, ولذلك يجب علينا أن نكون أكثر حساسية ورقيا وتهذيبا لنوصل رسالتنا للآخر والفن التشكيلي أقدر من أي سلاح آخر على إيصال رسالتنا للآخر، وأنا ألح في رسالتي دائما على السلام، لأن السلام بالنسبة لي كأم وفنانة هو المطلب الأساسي، فالحروب أثبتت عدم جدواها وفعاليتها كما أنها لم تقدم حلولا لأي من المشاكل بل إنها زادت من وتيرة العنف والأعمال الإرهابية.والحقيقة أنني حاولت من خلال اللوحات التي قدمتها أن أوصل رسالتنا بوجهها الصحيح للآخرين, وهذا ما أكدته لي إحدى الصحفيات القديرات في ألمانيا عندما زارت معرضا لي في مدينة ((بون)) الألمانية وأعربت لي عن فخرها وتقديرها للوحات المقدمة لأنها تعبر عن الوجه الحقيقي والصحيح للعرب والمسلمين. وتتساءل هند زلفة الأستاذة في كلية الفنون الجميلة –جامعة دمشق:هل بإمكان اللوحة أن تكون سفيرنا إلى العالم الغربي لتثبت له أننا أصحاب حضارة وقيم لاتمت بصلة لما يزعمونه عنا، وهل بإمكان اللوحة أن تكون صلة وصل بيننا وبين شعوب العالم الآخر؟ ماذا بمقدور اللوحة المحلية التي مازالت تجتر الماضي وأساليبه بضعف واضح أن تفعل وهي لاتمت لعصرها ولا للتقاليد الفنية الأصيلة بصلة، ماذا يمكن للوحتنا أن تقدم لشعوب تجاوزت عصرها في كل المجالات؟ مع كل الأزمات الحادة التي قامت فإن الفنون, بمختلف أشكالها كالموسيقى والمسرح والتصوير والنحت والعمارة, على اختلاف مستوياتها وتنوع أصولها، لعبت دورا هاما في تقارب الشعوب, وحتى أثناء الحروب كانت الفنون محط تقدير وتقديس لأنها من أرفع ا لقيم وهي الكفيلة بتحقيق الحوار وإنجاحه. والحقيقة أن الإنسان العربي بات على مفترق طرق، فإما أن تسعى الحكومات لبناء هذا الإنسان, وجعله حرا ضمن ظروف اقتصادية سليمة تتناسب مع متطلبات الحياة وتمكنه من أن يبحث ويغني بحثه, لا أن يكون متطفلا ومرتزقا على أبواب الوزارات والمسؤولين.والفنان حتى يكون فنانا أصيلا يجب أن يكون حرا وبالتالي ينبع عمله الفني من إرادته وفكره بعيدا عن القيود والحواجز المادية والفكرية التي يحيا الفنان فيها بكل أسف .إن الحكومات في بلادنا لم تعط الفنان الحق الذي يجب أن تعطيه إياه بالرغم من أن الفن كان مصدره محبوبا من قبل حتى الإنسان الذي لا يفهمه، والإنسان يحب الموسيقى حتى وإن كانت غريبة عنه لأنه يحس بها، ويحب أكثر صانعي هذه الفنون ومبدعيها مهما كان منشؤهم، يؤكد هذا أنه في أعوام85-86-87 كانت سمعة العرب سيئة جدا في الغرب كما أنهم كانوا متهمين بالإرهاب، حتى أنني كنت أسمع بأذني مسبتهم لنا، ولكن هذا لم يمنع الأهالي في إيطاليا من أن يحترمونا، عند معرفتهم بأننا فنانين كما أنهم فتحوا أبوابهم لنا بكل ترحاب وقدموا الدعم لبعض الشباب العرب من الفنانين بتقديم منازل قديمة لهم مجانا للسكن وللترويج لأعمالهم. ويرى الدكتور أحمد الأحمد الأستاذ في كلية الفنون الجميلة –قسم النحت، أنه لابد من التذكير بأن المواقف المبدئية في احترام الشعوب، تجلت في العقود الأربعة التي تلت الحرب العالمية الثانية إلا أنه لم يكتب لها الاستمرار، ففي بولونيا على سبيل المثال تراجعت كثيرا الأفكار الداعية لنصرة الشعوب المظلومة ومساندتها في ذلك كما أن التفاعل والتلاقح الحضاري مع الآخر تراجع بشكل كبير, بل إننا أصبحنا نسمع الشتائم في الشوارع ويمكنني القول إن هذا ظهر في بداية الثمانينيات، وكان للصهيونية العالمية واليهود ( المعششون ) في منافذ السياسة والإعلام الدور الكبير في تحقيق ذلك ويستطيع المراقب القول إن هذا الواقع لم ينعكس بهذا الثقل على الوسط الفني والثقافي, فالتفاعل بدأ حثيثا من أجل إيصال الأمور إلى مواقف أشمل في أزمة الحوار الحضاري، والإجابة على الأسئلة المطروحة, وقد لعبت الاكتشافات الأثرية على يد علماء الآثار من أمثال ( كازميير ميخالوفسكي ) في مصر وسورية والسودان . و(سادورسكا)و( غافليكوفسكي) في سورية (تدمر)و(كار ول) في العراق دورا كبيرا في التواصل والتفاعل الحضاري بين العرب والغرب، ويتجلى هذا الحوار الحضاري أيضا في الإنجازات المعمارية الكبيرة في سورية( مدينة الأسد الرياضية في اللاذقية ) وقد استوحى المهندسون البولونيون الحلول التشكيلية والمعمارية من التراث المحلي والعربي (الخيمة العربية).ومع أن أحداث الحادي عشر من أيلول أثرت سلبا على مسألة التواصل والتفاعل الحضاري بيننا وبين الآخر إلا أنه, وفي اعتقادي، يمكن للفنان التشكيلي أن يسهم وبدور كبير في إعادة الاهتمام بهذه النظرية بل وإنجاحها إذا ماقدم له جزء بسيط من المساعدات والتسهيلات التي تقدم لغيره. التواصل في الفن يجزم غسان السباعي وهو فنان تشكيلي مرموق بأن الفنان التشكيلي أقدر من غيره على التواصل مع الآخر، فالإنسان رسم قبل أن يتكلم, والإنسان حتى عندما كان يسكن الكهوف عبر عن نفسه بالرسم، وهو إذ اختار هذه الطريقة فلأنها الطريقة الأرقى والأكثر قبولا، ولعل الدليل على صحة ما أقول هو سيطرة الإعلام المرئي وفن الصورة على غيره من أنواع الإعلام والفنون، وهذا الحوار لم يخلق الآن بل إنه موجود منذ أقدم العصور, وكانت الحضارات بمختلف أنواعها في الشرق والغرب على حد سواء تتواصل مع بعضها، فالحضارة العربية الإسلامية تواصلت مع مختلف الحضارات في الشام والعراق والهند والصين والأندلس واستفادت منها كما أنها أفادتها، أضف إلى ذلك أن الحضارة العربية الإسلامية نقلت ملخصا عن الحضارات التي احتكت بها إلى العالم الأوروبي، وقد لعب الفن التشكيلي الإسلامي دورا كبيرا في خلق حوار فني حضاري متميز, وقد نجح في ذلك لأنه انطلق من هويته وحافظ على نكهته الخاصة أما عندما يتخلى عن خصوصيته فإنه يصبح عاجزا حتى عن التواصل مع ذاته، ويجب ألا يفهم من كلامي أنني أدعو إلى التقوقع والانزواء, بل العكس هو ما أقصده. ذلك أن خصوصيتي وحفاظي على هويتي لا يمنعاني إطلاقا من محاورة الآخرين، وبالتالي الإفادة مما قدمه المجتمع الفرنسي أو الأمريكي أو الروسي أو أي مجتمع ذي مفاهيم وحضارات ومدارس فنية, فأنا لست منعزلا وبالتالي من الواجب علي أن أستفيد وأن أفيد من خلال ما أتلقاه وما يجب أن أعطيه، ويجب ألا تفرض المنطقة التي يعيش فيها الفنان التشكيلي عليه نوعا محددا مطبوعا بطابع المنطقة التي يحيا فيها وموجها إلى أبناء هذه المنطقة وحسب، ذلك أن من طبيعة الفن أنه ذو طابع إنساني وهو لغة إنسانية عالمية وهناك الكثير من الأدلة على صحة ذلك, فالأوروبيون استفادوا من فن الطباعة الياباني, وذلك في فترة ظهور المذهب الانطباعي, فما هو الشيء الذي أوصل اليابان إلى أوروبا في فترة من الفترات, كما أننا نلاحظ أن بيكاسو استفاد من الفن الزنجي, وهذا عمليا حوار فني بين حضارات مختلفة ومتباعدة جغرافيا، وباختصار فالفنان ومن خلال لوحاته الفنية التي يرسمها يستطيع تقديم الوجه الحقيقي لحضارته كما أنه يستطيع، من خلالها، التأسيس لثقافة الحوار والعمل على إنجاحها.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية