تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


في حضرة سيف الدولة المتنبي في حلب ...

ملحق ثقافي
21/3/2006م
خليـــفة عمـــوري

فإذا رفع الجسر انعزلت القلعة، ورغم إن الصليبين أقاموا هذه القلعة في عدة سنوات إلا إن الناصر صلاح الدين استولى عليها في يوم واحد تلك هي حلب الشهباء بقلعتها المعجزة وأسواقها الساحرة

القديمة وحدائقها الكثيرة الغناء وأصداء التاريخ الثقافي الزاهر بين جنباتها وفي بلاط أميرها سيف الدولة الحمداني والذي جمع من حوله أبي فراس الحمداني وابن خالويه اللغوي والفارابي العالم والفيلسوف هم كوكبه من مصابيح الثقافة العربية التي تضئ في حلب موجات وراء أجيال المثقفين والمبدعين.‏

وبالطبع لن يفوتنا ذكر أبي الطيب المتنبي الذي يجسد في فكره وشعره خلاصة الثقافة العربية وما آلت إليه الحضارة العربية من تألق وازدهار في عهد ارتقائها الفكري في القرن الرابع الهجري. ومن مسقط رأسه في الكوفة انتقل إلى الشام وسجن في حمص لادعائه النبوة من قبل أميرها وبعد خروجه غادرها حتى انتهى به المطاف إلى إنطاكية مادحاً أميرها أبا العشائر الحمداني وكان من حسن حظ شاعرنا أنَّه حل سيف الدولة ضيفا على نسيبه أبي العشائر في أنطاكية فقدمه أبو العشائر إلى سيف الدولة وأثنى عليه و دعاه الملك لزيارته والمقام عنده في حلب. فوافق المتنبي واستقر به المقام عند سيف الدولة. يقول في ذلك: تركت السر في خلفي لمن قلّ ماله وأنعلت أنفاسي بنعماك عسجدا وقد أقام في حلب مدة طويلة ينشد أروع الأشعار في تصور المعارك والوقائع يحارب جنباً إلى جنب مع سيف الدولة وربطتهما مودة صداقة وإعجاب كبير متبادل بينهما، وكأنهما وجد كل منها ضالته في الآخر، فوجد الشاعر الشخصية التي كان يبحث عنها ليجعلها موضعاً لشعره يصور فيها الفروسية والكرم، ووجد الأخير الذي كان أديباً وشاعراً في شخصية المتنبي ذلك الذي يستطيع إن يفهمه ويخلد مجده. يقول أبو الطيب في سيف الدولة الذي أودعه أماله التي عجز عن تحقيقها في وحدة العرب إذا العرب العرباء رازت نفوسها فأنت فتاها والمليك الحلاحل غير أن أمير حلب سرعان ما أعار الحساد انتباهه والتفت إليهم ليستمع إلى وشاياتهم بأبي الطيب الذي كانوا يرون به العدو الأول أزل حسد الحساد عني بكتبهم فأنت الذي صيرتهم لي حسداُ وفارق أبو الطيب حلب بعد أن عاش قرابة تسع سنوات في بلاط الدولة إلى مصر حيث بلغه أن قوماً نعوه في مجلس سيف الدولة وكأنهم يتمنون وفاته ويتنفسون عليه حياته ومجده الشعري الذائع الصيت فينزف قلبه شعراً يفيض بالحزن والكبرياء كم قد قتلت وكم قد متُ عندكم ثم انتفضت فزال القبر والكفن يبقى المتنبي شاعر العربية الكبير الشاعر الذي ملأ الدنيا وشعل الناس تلك حكايته مع حلب.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية