وإن كنا نعزّي أنفسنا أنه يمكن رؤيتها فيما بعد عند تكرار عرضها ولكنها تبقى تعزية ناقصة ، فعندها ستكون الوجبة أصبحت (وجبة بايتة) على مستويين ، المستوى الأول لأنه أصلاً تم تأجيل عرض أغلبها من وقت تصويره ، والمستوى الثاني لأنه سبق وعُرضت ولم نستطع متابعتها كونها على (المشفر) !.
وبالتالي باتت هناك مجموعة من الأعمال الدرامية المحجوبة عن الجمهور بستار يصعب اختراقه إلا وفق شروط ، فربما هناك طرق مختلفة هنا وهناك من خلال الانترنت لفك تشفير أو رؤية القناة وفقاً لتطبيق معين ، ولكن ذلك كله قد لا يكون متوفراً للعامة ، وبالتالي نبقى في المكان نفسه ، عدا حالات خاصة يمكنها التلاعب على الموضوع ورؤية هذا العمل أو ذاك (مجاناً) .
عندما انطلقت القنوات المشفرة رأى فيها كثيرون حينها ميّزة وخاصية لعرض أعمالهم ، ولكنهم سرعان ما اكتشفوا بعد فترة أن خسارتهم فاقت الربح المأمول ، لأن أعمالهم ببساطة باتت خارج الخارطة بشكل أو بآخر ، واليوم يُعاد المشهد بأسلوب آخر ، فهناك من وجد في التشفير الرجا والمُبتغى ، خاصة وسط صعوبات البيع والتوزيع في سوق شروط المنافسة فيه غير عادلة وتخضع لأمزجة وقرارات قد تكون أبعد ما يمكن عن العملية الإبداعية ، لأنه لم يعد شرط الجودة يكفل لوحده ضمان عرض المسلسل في الموسم الدرامي ، كما أن التشفير يحميه من المذبحة التي عادة ما تحدث للأعمال في شهر رمضان ، ولكن هذه التبريرات تسقط أمام تساؤلات من نوع : هل يساعد ذلك على إرساء دعائم تقاليد وأعراف عرض سليمة ؟ وهل يتوفر للعمل شروط عرض صحية تجعل بالإمكان للمشاهد العادي متابعة تطور مبدعيه سنة بعد أخرى ؟ والأمر ينسحب هنا إلى الكاتب والمخرج والممثلين والفنيين كي يروا عملهم وهو طازج ويستقوا ردود الفعل عليه ، فما الفائدة أن يُنجز المبدع عمله ويبقى حبيس شريحة معينة من الجمهور ؟.. فالمسلسل الذي لا يعرض إلا على قناة مشفرة ، عندما يحين موعد عرضه على القنوات الأخرى يكون الفنانون المشاركون فيه قد قطعوا شوطاً في أعمال أخرى بينما يتابع المشاهدون عملهم الأقدم .
ربما القنوات المشفرة فرصة تجعلنا نستيقظ وندرك أهمية التخطيط الصحيح للتسويق ، وبالدرجة الأولى أهمية إنتاج أعمال تستحق التسويق أصلاً ، ويبدو أن الموسم الدرامي الحالي يبشر بعدد من الأعمال ذات السوية المرتفعة على أمل أن تبقى الدراما السورية الرقم الصعب رغم كل ما ألم بها .
fouaadd@gmail.com