هي معركتك أنت مع ذاتك.. في محاولات للتغلّب عليها.. وطمس سوادها دون السماح له أن يعتم مساحات بياض لديك ولدى الآخر- شريكك.. شريك لحظة انتصاراتك وأيضاً خساراتك.
ربما بدا لعموم مشاهدي فيلم (المقاتل- the fighter) إخراج: «ديفيد.أو. راسل»، بطولة كريستان بيل، مارك والبيرغ، ميليسا ليو وإيمي آدامز.. أنه يناقش موضوع رياضة الملاكمة ظاهرياً.. الربح والخسارة ضمن هذه اللعبة العنيفة.. لكن ثمة مستوى آخر من الصراعات يصوّرها الفيلم دون مباشرة.
بمنتهى الذكاء الفني تخيط كاميرا راسل حكايته الواقعية.. تنقلها لنا لتوازيها خفيةً حكاية كل واحد منا وصراعه مع سواده «الخاص» وهو ما كان من أمر «ديكي» أدى الدور كريستيان بيل، الذي كان من المفترض أن يصبح نجماً رياضياً واعداً لكن وقوعه في شرك المخدرات جعله يتراجع ليصبح أمل العائلة مرتبطاً بالأخ الأصغر «ميكي، مارك والبيرغ».
لا ينحاز الفيلم إلى الجانب الرياضي البحت، مع أنه صوّر لقطات ومشاهد رياضية عدّة كانت ذات وظيفة إقناعية بجوهر المادة المعروضة علينا.. ليُبقي ذروة حكايته معلّقة بالرابط الأسري/الاجتماعي الذي يخلّفه هذا النوع من الرياضات في الأسرة لاسيما حين تكون فقيرة تعوّل على ابنها لينتشلها من مأزقها المادي.
تنحدر الأسرة إلى هاوية الفشل.. فالابن الأكبر «ديكي» ملهيٌّ بمتعه.. والصغير «ميكي»
يخوض سلسلة من المباريات الخاسرة..
فكيف الفكاك من بؤرة الفشل تلك..؟
أولى خطوات يتخذها ميكي هي الابتعاد عن الإدارة الخاطئة التي كانت تحيطه من قبل أمه.. يحاول التخلص من سيطرتها.. وفي خضم محاولاته تنشأ خلافات بين أفراد الأسرة.. وفي هذه الأثناء يدخل «ديكي» السجن.
من اللافت محاولة الفيلم إظهار ذاك الرابط المميز الذي كان بين الأخوين.. فعلى الرغم من فشل «ديكي» في متابعة مشواره الرياضي يبقى قدوةً بالنسبة لـ(ميكي)، هو بطله الرياضي رقم واحد.
لحظات المواجهة مع الذات تقلب سير لعبة الفوز.. هكذا يقرر ميكي أنه يجب أن يصبح بطلاً.. يجب أن ينجح.. ولأن «ديكي» يلمح إصرار أخيه.. ويدرك خلال فترة السجن حجم فظاعة أخطائه يحيا لحظة مواجهة مع نفسه هو الآخر.. يقرر أنه سيكون عوناً لأخيه.. وهو ما أدّى إلى تتويج «ميكي وورد» بطل للعالم في الوزن المتوسط للملاكمة عام 1993.
في فيلم «المقاتل- the fighter» أو ربما تُرجمت بالملاكم.. ثمة مستويات عدّة اشتغل عليها المخرج راسل.. ولعل جمالية عمله تكمن بقدرة على الربط بين مستوياته كلها دون وقوع في ركاكة أو مباشرة.. لتنحاز كاميراه، دون أي فنّيات وزخرفات بصيرة، لالتقاط الواقعي والقدرة على نقل حياة أبطاله بكلا جانبيها ظاهري ومخفي.. مظلم ومضيء.. ثنائيات تفرضها لعبة الحياة التي تجسّدت في «المقاتل» بهيئة لعبة رياضية هي الملاكمة.
يبدو ساحراً أداء كريستان بيل الذي حصد جائزة الأوسكار فئة الممثل المساعد عام 2011، وقدرته على ولوج النفس المظلمة التي كانت لدى «ديكي».. فإلى جانب الأداء الجسدي وفقدانه الوزن اللافت.. هناك حالة التباس كامل لعموم صفات الشخصية.. كما يبدو واضحاً من خلال اللقطات في نهاية الفيلم مظهرةً الأشخاص الواقعيين الذين جُسّدت حكايتهم.
lamisali25@yahoo.com