كان البعض يتمنى أن ينام ليستيقظ منتشياً بأصوات الطائرات الأميركية وهي تدك ايران بطولها وعرضها، لكن هذا الأمر لا يزال بعيد المنال، فمن يراجع اليوم بعض الدراسات والتحليلات لكبار المحللين في الصحف الغربية يكتشف أنهم ومنذ سنوات كانوا يعتبرون الحرب مسألة أيام لا أكثر . لا أحد ينكر أن الحرب كانت و(لا تزال) طموحاً أميركياً صهيونياً، ولكن حالت دون تحقيق عواقب كثيرة ولذلك حاولت الولايات المتحدة تجنب الحرب عبر اشعال ايران من الداخل ( وهو ذات الأسلوب المتبع مع سوريةحالياً) وكلنا نتذكر الأحداث التي ضربت ايران بعيد الانتخابات الرئاسية وما حكي عن ادعاءات بتزوير الانتخابات وما شابه، لكن الشعب الايراني أسقط هذا الأمر قبل تصاعده.
من هنا، دخلت الولايات المتحدة صراعاً مع الوقت، من جهة فشلت في حشد الداخل الإيراني بثورة تطيح بالنظام، وكذلك الأمر فشلت بمفاوضات التمديد لقواتها التي احتلت العراق، بل حتى فشلت بالمجيء برئيس وزراء موال لها، فخرجت منه صاغرة ودون أن تنتبه أعطت القيادة الإيرانية عدة انتصارات منها: اسقاط المؤامرة الداخلية وزيادة التكاتف الداخلي، والأهم أن الاشتباك الإيراني الاميركي في ظل تشرذم الأنظمة المستعربة وتبعيتها جعلت من ايران القوة الأولى في المنطقة. حاولت الولايات المتحدة في نهاية المطاف أن تستفيد من الفوضى الخلاقة التي تضرب الشرق الأوسط وبالتالي حاولت ادخال القيادة السورية في متاهة أزمة داخلية تنتهي بإسقاط النظام وخسارة ايران حليفها القوي ما يسهل عملياً توجيه ضربة عسكرية لها، لكن الصمود السوري وضغط الوقت حالا دون توجيه هذه الضربة.
من جهة أخرى، لا تزال «اسرائيل» تعارض أي فكرة لحل البرنامج النووي الإيراني بالطرق السلمية، وهي ترى أن الدبلوماسية لم تجد نفعاً وأن العقوبات والمفاوضات على مدى عشر سنوات كانت بمنزلة فرصة لإيران لتطوير برنامجها النووي والعمل على تدعيمه، لذلك فإنها ترى الآن أن هناك فرصة مؤاتية من أجل شن الحرب، وهي تعتبر أن هناك عدة أمور تجعلها تفكر بتاريخية الفرصة:
أولاً: حالة الاهتزاز في الوضع السوري، وهو حلقة الوصل الأساسية بين ايران وحزب الله. مع فقدان الأمل نهائياً بإمكانية اسقاط (النظام) في سورية والمجيء بسلطة موالية للغرب تمنع امداد المقاومة بالسلاح.
ثانياً: الاستفادة من حالة الغليان الشعبي في دول المنطقة والتحركات المبنية على أسس طائفية، إذ لم تفرز هذه الاحتجاجات أي اتجاه لتنامي العداء للكيان الصهيوني أو رفض للتطبيع والغاء المعاهدات معه، على العكس تماماً هناك ظاهرة تنامي العداء لإيران تلك الظاهرة التي كان أساسها فتاوى الوهابية والسلفية وضحيتها هم الأغبياء إذ لا مانع أن يستخدم البعض سلاحاً اسرائيلياً، أمّا الوقود الإيراني، فلا يجب التعامل به شرعاً.
ثالثاً: الاستفادة من العلاقة الجديدة والمتجددة مع حكام ومشيخات من ذوي العقول المتحجرة والذين لايزالون يتعاملون بمنطق داحس والغبراء، فهم كما « إسرائيل » يعتبرون أن لهم ثأراً مع تيار المقاومة بالكامل، فالبعض لاينسى أبداً كيف تمرغت كرامته بالوحل في حرب تموز وتحديداً من وصفناهم بأنصاف الرجال ، والبعض الآخر يرى في إيران مشروعاً متكاملاً يهدد وجوده.
رابعاً: الحرب بالنسبة لإسرائيل باتت حاجة أكثر منها رغبة فهي باتت محاصرة ، فسورية التي على الرغم من أزمتها أجرت مناورات عسكرية وتجارب غير مسبوقة، وكذلك الأمر فإن حزب الله الذي كان يهدد باستهداف المدن، بات اليوم يهدد بأن استهداف منزل في الضاحية سيقابله استهداف مبان في فلسطين المحتلة.
إن فكرة الحرب تبدو نوعاً من الهروب الذي يرضي «إسرائيل » وحلفاءها. فالخليج يسعى لاتحاد شكلي بين دوله من أجل اعطاء شرعية للمجازر التي ارتكبتها قوات درع الجزيرة بحق المدنيين العزل في أي دولة قد تشهد احتجاجات كما في البحرين والقطيف. أمّا دول الربيع العربي الجديدة فهي بحاجة لحدث يصرف النظر عما يجري فيها من أحداث وسيطرة السلفيين والمتطرفين عليها.
وفي حال فرضت المواجهة، فإن المعركة ستتوسع والمحايدين سيكونون قلّة، وهذا ما عبّر عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما قال: إن التوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول هو الحل الوحيد لمنع قيام حرب عالمية ثالثة، كذلك الأمر تصريحاته السابقة عن أن الناتو منظمة من مخلفات الحرب الباردة ويجب أن تنتهي.
هذا كله يضاف إلى اخفاق المفاوضات حول الدرع الصاروخية لدرجة جعلت أحد جنرالات الجيش الروسي يهدد بضرب مراكز الصواريخ أينما وجدت. والحال ذاته ينطبق على الصين التي تسعى لمزيد من الحضور، وهي لن تقف على الحياد أبداً، وربما تكون التاريخية لإعادة السيطرة على تايوان تلك الجزيرة أو المحمية الأميركية التي تؤرق الصينيين، وهي بالتأكيد فرصة تاريخية لباقي أقطاب المحور الجديد من أجل اثبات الوجود، وبالتالي اعادة تشكيل العالم بالكامل انطلاقاً من منظماته الدولية التي باتت مطية في يد من يتحكم بها.
من هنا يبدو أن الطرفين أنهيا الاستعداد للمعركة والأمور باتت شبه محسومة، ربما تكون الحرب خياراً صعباً، ولكن الأهم أن الحرب تبقى أفضل من الاستنزاف، والحرب هي فرصة الجميع ليعالجوا أزماتهم فمن سينتصر سيعالج أزماته الداخلية والخارجية، ومن سيهزم فلن يبقى لديه أزمات خارجية لأنه أصلاً سيصبح أثراً بعد عين، أمّا أزماته الداخلية فسيعالجها له المنتصرون.
لقد كان هدف الفوضى الخلاقة التي يسمونها تحبباً الربيع العربي خلق حالة فوضى عارمة تضرب المنطقة لتقسيم المقسم، ولتصبح كل الدول مشيخات على شاكلة قطر تسهيلاً لإقامة الدولة اليهودية باعتبار أن كل الدول ستتحول إلى كانتونات طائفية ومن ثم تسهيل التخلص من الحلف المقاوم إلى الأبد، ويبدو أن هناك من أخفق في الداخل السوري فحاول نقل المعركة إلى الداخل اللبناني، والغاية ادخال المقاومة في زواريب تستنزف قدراتها وتهيئة الأرضية للحرب القادمة، لأننا لم نفهم حتى الآن أن ما جرى ويجري هدفه واحد هو ضرب مشروع المقاومة في المنطقة، فالمشروع النهضوي الإيراني وهو الوحيد على مستوى الشرق الأوسط الذي يمكن له أن يشكل أرقاً للحلف المتصهين، وبالتالي تصفية أيّ فكرة مقاومة في المنطقة عبر ضرب هذا الثالوث ايران -سورية- حزب الله.