تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حوار.. «فؤاد معنَّا» : المسرح مصنع الأنسنة.. ومرسم حقيقي لأبطال حكايا الإرادة

ثقافة
الثلاثاء 13-11-2018
هفاف ميهوب

عشقَ المسرح، حدَّ إيمانهِ بأنه المعبدُ الذي ترتَّلُ فيه النصوص الخالصة لنبضِ الوطن وحياته الثقافية والوجدانية.. عشقهُ وآمنَ به، سبيلاً لترسيخِ انتماءٍ دفعهُ إخلاصه له، لتأسيسِ فرقة من الموهوبين والهواة، هي «فرقة طائر الفينيق المسرحية».

إنه الكاتب والمخرج والموثِّق المسرحي «فؤاد معنَّا» الذي وبسبب تميُّز فرقته ومهرجاناتها، والعروض التي تقدِّمها في الهواء الطلق، وتستقطبُ آلافَ المتابعين لما توثِّقهُ باختياراتها.. لأجلِ ذلك وسواه، حاورناه وسألناه:‏

- كاتبٌ مسرحي متمرِّدٌ وجريءٌ وحادٌ في مواجهةِ الظلم والظلامِ والفساد. هذا ماتدلُّ عليهِ نصوصك في «طائر الفينيق المسرحية». من أنتَ غير هذا؟.‏

-- ما أنا أكيدٌ منه، أنّني ما زلتُ أرسمُ ولادتي على سطوح الورق، وما زلتُ أحبو أمام شوميلي مذبح المسرح، علَّ ابتهالاتنا تورقُ أغصان الشمسِ العارية، لتبقى كلّ المطارحِ في قلوبنا، وتحبلُ بنا حتّى نلدها وتلدنا.. لنبقى ومطارح الألم والأمل، نخلّد الآه.. علّها تلدُ الفجر.‏

إنني، إنسانٌ يمقت الأسماء والقوافي، ويعتبر البشر صلة الزمن والوجود.. أكاديميّته الحب والحرية، ونبراسه الإنسان.. شعاره: «لا وصيّ على الأدب والفن أيّها «المسقّفون»..‏

- «المسرحُ هو المعبد الذي تُتلى فيه الابتهالات الإنسانية.. معبدُ المخاضِ لولادة الأوطان في الصدور». إنه ما افتتحتَ به أحد مهرجاناتك، فهل لكَ بتعريفنا عن بداية وكيفيةِ بناء هذا المعبد؟.‏

-- كل مُنْتَجْ لا يكون مطرحهُ مجمَّع الآلهة، لن يكون إبداعاً، فالأديب أو الشاعر أو المسرحي، إن لم يكن أحد أرباب مجمع الآلهة، يعشْ ليشكِّل كونه الخاص ويفنى به، لن يكون أكثر من أعمى بصيرة لم يستطع، تأمين وسائل تبصّره.‏

الجميع يقرّ بأن المسرح نشأ وترعرع وتابع، ضمن ظروفٍ وشروطٍ طقسيّة دينية رافقت نشوء الديانات. ديانة الخصب العشتارية السورية، وما انبثق وتشعّب عنها من دياناتٍ سورية قديمة. جميعها لم تكن ديانات غايتها وهدفها تثبيت أحقيّة «الآلهة» بالعبادة، بل تعليم البشر الأمور الحياتية المتصلة ببقائهم وتكاثرهم ومعيشتهم واستمرارهم.. نحن نتكلّم عن وقت وحقبة، لم يكن فيها الإنسان يعلم من أموره وأمور الحياة شيئاً إلا بالفطرة. جاء هؤلاء «المعلمون الأوائل» الذي سمّوا «بالآلهة». كهنة ديانة الخصب العشتارية، وحملوا على عاتقهم مهمّة تعليم البشر، لتكاثر واستمرار وبقاء البشرية.‏

- تجسِّد في عروضك المسرحية، معاناة الشعب السوري، وأوجاع جرحى الوطن، وحقوقِ شهدائه. حتماً هي رسالتك. برأيك، من يسمعها وهل تشعر بأنكَ أوصلتها؟.‏

-- يقولون، المسرح مرآة الشعوب والمجتمعات، والحقيقة أنّه لعبة الأوطان، لأنّه التقابل الحقيقي بين ما يمكن أن نكون عليه وما نحن عليه حقيقة وواقعاً.. أيضاً، المطرح الأنسب لممارسة العشق بين الوطن ومواطنه، فهو وعاء المخاض في استحضارِ الأوطان كما يشتهي ويرغب العشّاق. هو المرسم الحقيقيّ لأبطال حكايا الإرادة، والمطرح الوجداني لتجارب الحبّ.. كلّ الحبّ، فالمسرح مصنع الأنسنة ومحلّها.‏

أغلب أعمالنا يغلب عليها طابع «الكوميديا السوداء» ومطارحها مجتمعنا السوري بكل جوانبه، وأسمى ما فيه هم من يستحقون التحيّه.. شهداؤنا الملائكة وأبطالنا الجرحى، الذين لا نستطيع تكريمهم إلاّ بالصمتِ أمام بهاء قاماتهم.. جباههم.. أحذيتهم التي تُبلجُ الشمس.‏

أمّا من يسمع رسالتي، فالجميع لكنهم لا يعونها أبداً، وبالنسبة لشعوري إن كنتُ أوصلتها أقول: هي تجربتنا في نسج الأوطان حسب ما تشتهيه صدور العشّاق. ربما لم يكتب لها النجاح لأنّنا في مجتمع يهتمّ بالوصول، ولامكان فيه للنجاح، ولأننا لم نُخلق لكي نصل، وإنما لكي ننجح، كنَّا في الزمن والمكان الخاطئين.‏

- أصدرتَ إلى جانب كتاباتك المسرحية، مجموعة قصصية «الاستلاب» وشعرية «زهر البارود» ولك رواية قيد الطبع.. أيّنك في كلِّ هذه الفنون؟.‏

-- خارج المسرح، كلُّ اللغاتِ «لديّ» عقيمة.. نعم، لديّ أكثر من مخطوط أدبي جاهز للطباعة ويتوزّع بين القصة والرواية والنثر، لكنني لا أجد الحافز لطباعتهم لأسباب أهمها، أن فرقتنا تنتج سنوياً من ثلاثة إلى خمسة أعمالٍ مسرحية، وعلى عاتقي تقع الأعباء المالية، وهكذا أجد نفسي أتوجّه لعشقي الحقيقي «المسرح».‏

- تختمُ غالبية نثرياتكَ ولاسيما على صفحتك، بـ «سيدة الحلم المدنَّس».. برأيك، متى يتحوّل حلمُ سوريَّتنا وعشاقها إلى مقدَّس؟..‏

-- عندما نقتنع بأنها «سورية السيِّدة» التي تمتلك سرّ الكون والأحرف الصوتية الثلاث، لا «سورية المربوطة» إلى العرباءِ قسراً وتشويهاً.. عندما نعترف بأن أحرفها منها، وبأن الكون تعرَّف من خصبها لنسجِ الولادات.‏

سورية التي اخترعتْ الحبّ من ذاتها، وتابعت تحكم مسار الشّمس، هي الجبل والبحر وحقول القمح، لكنَّ الزّيفَ في فهمِ المعاني، واغتصاب سمّو ذات الأنا، جعل جسدها محطَّ نهمِ البرابرة، وباتت الأمّهات تلدن نزواتهنَّ، ولا تلدن أهلها وأقاربها من خوابي العشق العظيمة، والبنات يخلقن آباءهنَّ من خارج الصدور، وكلّ رحمنٍ أوجدوه لنا، بات يحتاج الشيطان لإثبات أحقيّته، فكيف سنرتقي ونحن نربط الرحمن والشيطان في معادلةٍ واحدة؟!.‏

- ماذا عن سعيكم وفرقتكم لتطويرِ عملكم، واعتمادِ الطباعة الإلكترونية؟..‏

-- هو أمرٌ يحتاج للكثيرِ من الشرحِ. لكن وبإيجاز: نسعى لتحويل المنتج الأدبي والفني والثقافي والفكري إلى مادة إلكترونية، تتنوع بين الكتابة إلى الفيديو مروراً بالصوت والموسيقا، وبقالبٍ فني حديث ومتطور.‏

كل ذلك سخرناه ضمن المشروع الوطني للتوثيق للشهداء والجرحى، وبتكليف من الجهات الإدارية والسياسية. بدأت الفرقة حالياً بالتوثيق لشهداء وجرحى محافظة طرطوس، وعلى أقراص ليزرية تضم الصوت والصورة والفيديو، وكتابة مايغطِّي أخبار كل جريح وشهيد. مكان إقامته وخدمته وإصابته ونوعها، مع فيديو مصوّر لذويه لا يقل عن دقيقتين ونصف لكل شهيد وخمسة دقائق لكل جريح. كل ذلك يوثّق ضمن تجميعية يمكن تصفحها بسهولة وتتميّز بشكلها الفني الرائع.‏

- أخيراً.. أين وصلَ «طائر الفينيق المسرحي» في تحليقه، وما الرسالة التي أوصلها أو لايزال يسعى لإيصالها؟.‏

-- قدَّمنا منذُ تشكيل الفرقة عام 1999، خمسين عرضاً ما بين «الاسكتش والمسرحية» ومنها: «أغنية الوطن- كاس وقضية- طائر الفينيق- مملكة الأموات- نووي- بانوراما المؤامرة على سورية- وطن وشوك- ابليس عاطل عن العمل- لا تقتلوا الشهيد- خشب من دم- تصبحون على وطن- الوطن الشهيد.. الخ..»..‏

نقيمُ مهرجاننا المسرحي المكشوف، سنوياً وعلى الرصيف البحري لكورنيش «طرطوس» وكان لهذا العام بدورته العاشرة.. قدمنا مهرجانين بدمشق، وعشرات المهرجانات بمحافظة طرطوس، اللاذقية، السلمية.‏

أملنا وهدفنا، أن يقام مسرح مكشوف ودائماً على الرصيف البحري لكورنيش طرطوس, إنه مشروع ثقافي يوفِّر منصّة لمختلف الإبداعات الفنية والثقافية والأدبية التي تقدّم يومياً ومجاناً، وعلى مدار العام.‏

أقصى أحلامي: استطاعتي أن أعرض مسرحيتي على ناصية كل شارع في بلدي ساعة ولادتها.‏

** ** **‏

بطاقـــــة‏

- كاتبٌ ومسرحي.‏

- حاصلٌ على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق.‏

- مؤسس فرقة «طائر الفينيق المسرحية» للهواة.‏

- أصدر مجموعة قصصية «الاستلاب» وديوان شعر «زهر البارود» وله قيد الطبع رواية «سيدة الحلم المدنس».. له أيضاً، الكثير من النصوص والأعمال المسرحية والنقدية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية