تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بيـــن التثقيف والتسفيه

فضائيات
الأربعاء 2-5-2012
سلوان حاتم

لاشك أن ما حل بالثقافة بشكل عام من تراجع الإقبال على الكتاب واستحواذ الشاشة المربعة بما تحويه من صور متحركة تستطيع استلاب عقول المشاهدين قد أثر كثيرا على المطلب الجماهيري في المتابعة,

ولاشك في أن عصرا تسيطر عليه التقنيات الالكترونية وتستحوذ بالساعات على المتابع لابد فيه من استغلال كل شيء في خدمة القائمين على الفضائيات من أجل المكسب ولو كان كل هذا على حساب الثقافة.‏

إذا قمت بجولة عبر الريموت كنترول المتحكم بجهاز الديجيتال وقلبت باحثاً عن محطات ثقافية ستجد ان محطة أو اثنتين فقط تعنى بالثقافة وهنا أقصد الثقافة البصرية أو التثقيف من خلال مجموعة برامج عن الحضارات والتاريخ والسياحة وعالم الحيوان كما أنها قد تهتم ببعض الرموز العلمية والتاريخية والسياسية, و هناك عدة محطات تعليمية للطلاب والجيل الناشئ وطبعا سنضع ذلك كله ضمن ما أسميناه التثقيف لأن الثقافة لا تقتصر على ما ذكرنا , فللفنون دور في الثقافة كما أن العلوم بشكل عام لها دور بالثقافة وبذلك نكون قد وجدنا أن عدد المحطات الثقافية الشاملة هو صفر .‏

بعض المحطات كانت ذكية في استقطاب البرامج الثقافية وإن اقتصر همها على الربح لأنها تفاجأت بالكم الهائل من الباحثين عن المعرفة فسرعان ما سارعت إلى إبعاد هؤلاء المثقفين لأسباب بات الجميع يعرفها ومنها أنهم خالفوا آراءها السياسية, كما أن بعض المحطات التي حاولت أن تنهض بالشِعر على اعتبار أنه موروث ثقافي عربي أصيل مازال له الكثير من المعجبين قامت وللأسف الشديد بتسفيه الفكرة وأصبحت محطات الشعر تنضح بأسماء وألقاب لم تكن معروفة ولا حجم لها أمام عمالقة كتبوا ورحلوا أو مازالوا أحياء وصار الشعر كما الأغنية يسير بحسب من يدفع فاتورة الظهور على المحطة الفضائية لأنه بات للشهرة لا للثقافة.‏

التسفيه الفضائي لم يطل الشعر والبرامج الثقافية فقط بل وصل إلى حدود إيصال ثقافة السياحة الخارجية على حساب العربية فباتت المسلسلات الأميركية والتركية تغزو الفضائيات كيفما قلبت المحطات لتأسرنا المناظر والبناء في المدن الأميركية والتركية , بينما تزخر العواصم والمدن العربية بأجمل الحضارات وأجمل الأجواء الطبيعية الساحرة والقيم والموروث العمراني والأدبي الذي تحاول بعض المحطات تغليب الحضارات الأجنبية على حضارتنا العربية الأصيلة تحت مسمى التسلية والدراما وهوليوود والراب والجاز والانسانية والحياة الجميلة والرخيصة وغيرها من مسميات.‏

وإذا نظرت للبرامج التلفزيونية بمجملها ستجد أن العرض اليومي والأسبوعي للنسبة العظمى من القنوات يخلو من برنامج ثقافي في حين لا يخلو من برنامج للطبخ أو للأبراج والأغاني , وطبعاً الدراما والسينما موجودة وعالم الأزياء والموضة في حين يتفرد البعض بتقديمه للعبة البوكر أو مسابقة للطبخ أو مسابقة للمواهب وستكتشف أن لقاء مع مغنية في ملهى مفضل عند بعض المحطات على لقاء بباولو كويلو أو ماركيز وأنهم يفضلون برنامجاً عن الأبراج على برنامج عن كيفية اكتشاف القمر و عملية لشفط الدهون ونفخ بالسيلكون عندهم أهم من فوائد السيلكون ومن اكتشفه وماذا يحدث من أضرار.‏

من المؤسف جداً أن تصبح ثقافتنا الفضائية بأفضل الأحوال برنامجاً عن الحيوان أو مسابقة ثقافية تختبر فيها ذكاءك لتكسب مبلغاً مالياً مرقوماً وبأسوأ الأحوال أن تطغى على ثقافتنا قناة للرقص الشرقي وقناة للمصارعة وقناة للسيارات وقناة للتحريض الطائفي والعرقي وقناة للدجل والسحر والشعوذة وقنوات عديدة لا هم لها سوى إقناع المشاهد أن الغرب أفضل بملايين المرات من الشرق لأن هناك ما يشاء من نساء وأموال وحياة وعليه أن يكون مثل ذاك الفتى الغربي وأن يلبس مثله وعلى الفتاة أن تكون شبيهة المطربة الفلانية أو الممثلة الفلانية, وأن العلم والحضارة والمعرفة والحياة والتطور هناك في أوروبا وأميركا فقط, هل هذه ثقافتنا التي تمتد بالعمر إلى آلاف السنين وهل سنترك لمجموعة من الفضائيات أن تسفه حضارتنا العربية وثقافتنا العريقة فقط من أجل أن تحصل على رضا أسيادها في الغرب وللكسب المادي لبعض رجال الأعمال من بلاد لا تمت للحضارة والثقافة بأي صلة؟.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية