تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الثقافة العربية تفقد بريقها فضائياً

فضائيات
الأربعاء 2-5-2012
جوان جان

إذا كان الاعتقاد سائداً في فترات سابقة أن مكان المادة الثقافية في الفضائيات العربية كان أشبه بمكان الأيتام على موائد اللئام

فإنها اليوم فقدت حتى هذا المكان المتواضع، فقد طغت المادة الإخبارية-السياسية على كل شيء سواء في الفضائيات أو في اهتمامات الجمهور الذي أصبح منشدّاً بشكل لم يسبق له مثيل نحو المادة الإخبارية التي بسطت سيطرتها وفرضت نفسها بحيث أصبحت كافة المواد التلفزيونية الأخرى -بما في ذلك المواد الثقافية- في المراتب المتدنية من الاهتمامات .‏‏

‏‏

هذا الواقع لم تفرضه الفضائيات العربية فحسب، بل والشارع العربي في جزء منه عندما راح الحراك في هذا الشارع يستهدف في طريقه كل ما يمتّ إلى الثقافة أو النشاط الثقافي بصلة وهو الأمر الذي يعكسه التدهور المريع في الأنشطة الثقافية في الدول التي ذاقت علقم الربيع العربي بمختلف أوجهه، حيث يعتبر (الثوار) العرب أن كل نشاط ثقافي-حضاري هو نشاط معادٍ لثوراتهم ويصبّ في مصلحة الأنظمة!! الأمر الذي حدا بهم إلى القيام بعمليات استهداف مباشر للصروح الثقافية في بلدانهم التي شهدت –على سبيل المثال- في السنة الأخيرة وبفضل جهودهم الجبارة حركة غير مسبوقة في تهريب الآثار أو الاعتداء عليها وتخريبها جهلاً أو انتقاماً، أوتحويلها إلى مواقع للتمركز فيها بحيث يعطون الانطباع أن أي استهداف من قبل الحكومات لهم وهم متخندقون في هذه الصروح إنما هو استهداف للصروح بحد ذاتها .‏‏

وفي شكل آخر من أشكال تطاول مايسمّى ادعاء الربيع العربي على الصروح الثقافية شهدنا الهجوم المنظّم الذي شهدته واحدة من أكبر المكتبات الأثرية في مصر من قبل المتظاهرين وهو الهجوم الذي أدى إلى إحراق آلاف النسخ من نفائس الكتب التراثية النادرة، ولا يختلف الأمر كثيراً في تونس التي تشهد جامعاتها بين الحين والآخر محاولات لتحويلها إلى كهوف شبيهة بتلك التي عرفها الإنسان سكناً في غابر الأيام، وما إنزال العلم التونسي من قبل الثوار قبل أيام في إحدى الجامعات التونسية ورفع العلم الأسود بدلاً منه إلا التكريس العملي لعملية التحويل هذه .‏‏

ولا ننسى الهجوم على المراكز الثقافية واحتلالها وتخريب أجهزتها وتحويلها إلى أوكار للتعذيب والتصفية الجسدية لكل من يعارض الفكر التحرري العربي-نسخة 2011، 2012 .‏‏

هذه الفوضى انعكست على حجم الاهتمام الإعلامي العربي بالحركة الثقافية سلباً، الأمر الذي أدى إلى تراجع هذا الاهتمام في الآونة الأخيرة فغاب الكتّاب والمثقفون العرب عن الفضائيات العربية، باستثناء أولئك المثقفين الذين يرون في النار المشتعلة في الجسد العربي برداً وسلاماً والذين أصبحوا ضيوفاً شبه دائمين على برامج هذه الفضائيات وهم يقومون بمهامهم في صبّ الزيت على النار بكل كفاءة واقتدار .‏‏

وهنا لا بدّ أن نشير إلى أنه ورغم كل الظروف السيئة التي تحيط بالعمل الثقافي في الدول العربية اليوم إلا أن الفضائية السورية وفضائية الدنيا بقيتا محافظتين –إلى حد ما- على النسيج الإعلامي المتعدد الذي ينظر إلى الجانب الثقافي بعين الاهتمام ويواكبه ويحتفي بنشاطاته، الأمر الذي يلقى تشجيعاً من كل الحريصين على الصورة الجميلة زالحضارية للبلد، واستنكاراً من كل من يريد العودة به عدة قرون إلى الوراء .‏‏

لا وقت اليوم للحديث عن الثقافة أو تناول نشاطاتها في الفضائيات العربية.. هذا صحيح.. ولكن الوقت، كل الوقت مفتوح دون حساب في بعض هذه الفضائيات لتصفية الثقافة العربية والفكر العربي، وهذا ليس بغريب على مَن يسعى إلى تفتيت الجسد العربي بكافة مكوّناته وتقسيمه، ولن تكون الثقافة بطبيعة الحال بمنأى عن هذا التفتيت والتقسيم .‏‏

jaun@scs-net.org ‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية