تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


زمن الشعر ... زمن النقد... كيـف قدّم وهيب الغانم..لإبداع سليمان العيسى..؟

ثقافة
الأربعاء 2-5-2012
ديب علي حسن

الإبداع المتميز، يستلزم ناقداً متميزاً، أو بصيغة أخرى إنّ ازدهار الأدب الحقيقي يفضي بالضرورة الى نقد حقيقي، كلاهما ينمو مع الآخر يستظلان بعضهما البعض، فلا تكاد تستطيع أن تميز الناقد عن المبدع، بل ثمة رأي يقول: إن النقد الحقيقي هو ابداع يوازي النص المنقود، بل أحياناً تجد نقداً يتفوق على المنقود على كل حال ما الذي يجعلنا الآن نعود الى هذا الطرح الذي مرّت عليه عقود وعقود..؟!

‏‏

‏‏

ربما الحالة القاحلة للنقد والابداع معاً في أيامنا هذه حيث أصبحنا نتلهف لقراءة ابداع حقيقي ونقد يوازيه.. ربما يطرح أحدهم سؤالاً مفاده:‏‏

ما السبب، بل ما الأسباب..؟!‏‏

لا ندعي أننا قادرون على الاجابة أبداً، إنما يمكن للمتابع أن يقدّم إشارات غير مباشرة، ومن خلال وقائع ومعطيات تجعل المرء يقفز الى إجراء مقارنة بين ما كان وما هو الآن.. ولا يعني هذا بالضرورة أن يكون الحنين الى زمن الشعر والابداع دافعنا الى استعادة أساليب الأدب والنقد اللذين نتحدث عنهما فلكل عصر أدباؤه ونقاده، لهم أساليبهم وأدواتهم وقراؤهم، وبالتأكيد ليسوا متساوين كرؤوس البصل أو الملفوف، أو حبات البطاطا، كمعظم مدّعي الابداع هذه الأيام، بل فيهم المتميز الذي أثبت وجوده وصار علامة بارزة في تاريخ الابداع.‏‏

بالعودة الى سؤالنا: لماذا لا نرى مبدعينا كباراً يوازيهم نقاداً كباراً..؟!‏‏

الواقع يقول: إن العملة الردئية الآن طردت العملة الحقيقية، فثمة أدعياء إبداع يسوقون أنفسهم بالطرق والوسائل المتاحة وغير المتاحة، ينجز أحدهم مجموعة شعرية خلال أسبوع ويطبعها في الأسبوع الثاني، وفي الثالث إذا كان مسؤولاً عن منبر ثقافي تجد المراكز الثقافية أعلنت عن ندوات وندوات لمناقشة هذا العمل الابداعي المتميز الذي لم يأت به أحد من قبل ويتبارى المستكتبون في كيل المديح وابتداع أدوات نقد أو استعارة أدوات صالحة لكل زمان ومكان، ولكل نص أدبي.. ناهيك عن التواطؤ الذكوري تجاه المبدعات المحدثات، فما من واحدة من مدعيات الابداع إلا وحولها العشرات من مدّعي النقد يصفقون ويهللون .. ينسى الجميع أو يتناسون أن الزمن هو الغربال الأول والأخير، والصداقة لا تعني أن نكيل المديح المجاني لأصدقائنا ممّن يعملون في الابداع، لابل علينا أن نكون العين الحقيقية التي ترى ما لا يراه المبدع، لذلك علينا أن نشير إلى مكامن الجمال، ومكامن الخلل، فالنقد أولاً وأخيراً عملية بناء تفاعلي من خلال منظومة متكاملة ومناهج حقيقية، ولا يذهبن بأحد منا أن كيل المدائح الذي ننشره احتفاء (بهم، بهن) هو نقد ليس إلاّملء بياض في أحسن الأحوال...‏‏

‏‏

ولئلا أذهب بعيداً أود أن أقف عند نقد كتبه المرحوم الدكتور وهيب الغانم لمجموعة شاعرنا الكبير الأستاذ سليمان العيسى والتي حملت عنوان: أعاصير في السلاسل وقد صدرت في حلب، منتصف القرن الماضي.‏‏

في الطبعة الأولى تطالعك المقدمة بقلم الدكتور وهيب الغانم ومن بدايتها نقرأ: سليمان العيسى، رفيق الطفولة، وشاعر الرفاق، أيام الجوع، قرأت له ديوانه الأول 0مع الفجر) فلم يدهشني أن يتكاثر المعجبون به من حولي، فلقد شاهدوا كفاءة الشعر وطربوا.. ويضيف وهو الصديق: ليقرأ القارئون في مقدمتي كثيراً من النقد، وقليلاً من الاطراء ليدهشهم أن لا يجدوا فيها إلاّ روحاً موضوعية صارمة إن الذين يعرفون سليمان العيسى ينتظرون منه الكثير، وهم يرفضون أن يحكموا عليه إلاّ من خلال معرفتهم الحية بامكانياته، ومحبتهم له أقوى من أن ينظروا إلى مؤلفاته إلاّ من خلال ما يؤمنون به من قيم وأن يقدموا لها إلاّ بما يثير ويجدي.‏‏

وقبل أن يقدّم النقد يضيف قائلاً: إن فتى وائل كما كنا نسميه أيام الشباب - قد نظم الشعر وهو طفل يحبو على ضفاف العاصي في قريته النعيرية، لايعرف العروض ولا النحو، ولكنه لا يخطىء وزناً، ولا قاعدة وعندما دخل المدرسة الابتدائية وضعه مديرها مباشرة في الصف الرابع اعتماداً على ديوانه الأول الصغير الذي كان يحمله معه، ليرتل منه حيث ذهب آيات طفولته الفقيرة المهملة.‏‏

وبعد هذا يبدأ الغانم نقده لديوان صديقه ويقول بصراحة وإذا كان يلقي بين مقطع وآخر بأبياته الرائعات، فما زال كثير من أبياته يحتاج للإهمال والنسيان، بل إن بعض قصائده تحتاج الى الحذف، فليس ثمة أي انسجام بينها وبين البقاء على مرّ السنين، فإذا رغبت في ملاحظات أقل أهمية ممّا سبق ذكرّت الشاعر بكثير من الاستعارات التي استعملت الى حدّ الاشباع والتعابير التي لاتنسجم مع الشاعرية والحرص على كل بيت يرد على الخاطر، وربّ كثرة جنت على روعة. ثم هل أقول: إنه كثير الشتائم، كثير التماسك بألفاظ وأخيلة من الخير نسيانها، هل أقول بأن كثيراً من قصائده لو اختصرها لمنحها الخلود أو شيئاً من الخلود..؟! ويخلص الى القول: إن في بدايته- حتى اليوم- لبشرى ووعود، وما أ ظنه في مستقبل قريب إلاّ خالعاً عن جوانبه لكل ما هو تلقين وذاكرة لتنطلق من قيثارته ألحان تثير اليوم وغداً.. وتكون قادرة على أن تلهب الشعب وأن تبقى على الزمن.. أجل!.. ماأظن شعره في العاجل القريب إلاّ أخذاَ بناصية الخلود وعندئذ لن نجد حشوداً، ولا لغواً، ولاقصائد لا مكان لها.. لن تجد ناطحات السحاب، إلى جانب كهوف زرية، بل سيصبح شعر سليمان كالعالم الذي يناضل من أجله كلاّ منسجماً متلازماً، يتآزر فيه كل حرف للتعبير عن معناه الخالد الجميل.‏‏

وبعد..‏‏

فقط أريد أن أسأل: ماذا لو أن صحفياً، ناقداً.. كتب شيئاً من هذا القبيل عن عمل يسمى زوراً ابداعاً.. ما الذي سيقوله صاحب العمل..؟!‏‏

كان زمن الشعر، زمن النقد، زمن الثقافة والابداع، زمن التفاعل والتواصل.. زمن المبدعين الحقيقيين... طحالب اليوم تتسابق لتصل رؤوس القمم.. ولكنها ظلّت رؤوس بصل وملفوف، وحده المبدع الحقيقي نصفق له، ننحني احتراماً، قد يكون بيننا لا نعرفه لكنه لا بدّ قادم، dhasan09@gmail.com ">قادم.‏‏

dhasan09@gmail.com ‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية