وان مواقف جميع الحكومات الإسرائيلية منذ مؤتمر مدريد استندت في أساسها إلى استراتيجية استباقية قامت على فرض الحقائق المادية على الأرض وبالتالي خلق سياسة الأمر الواقع من استيطان ومصادرة الأراضي وخنق التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية, حيث ازدادت وتائر هذه السياسات حدة بعد اوسلو ووصول التحالف الاستراتيجي الأمريكي- الإسرائيلي بعد أحداث الحادي عشر من أيلول إلى درجة غير مسبوقة إلى أن أصبحت رؤية الطرفين متماثلة إلى حد بعيد حيال القضية الفلسطينية وقضايا المنطقة حربا وتسوية .
على مثل هذه الخلفية أعلن أولمرت في جلسة مجلسه الوزاري عدم الاعتراف بالحكومة الفلسطينية الجديدة ودعا المجتمع الدولي إلى مواصلة عزلها ومقاطعتها وبدأ في الوقت نفسه حملة دبلوماسية دولية تهدف إلى عدم كسر الحصار المفروض على مناطق السلطة ورأى أولمرت أن :(برنامج الحكومة الفلسطينية الجديدة يتضمن نقاطا إشكالية جدا لا يمكنها أن تكون مقبولة علينا وعلى المجتمع الدولي في إشارة إلى تأكيد حق العودة وحق المقاومة وأشار إلى أن حكومة الوحدة الجديدة تحد من قدراتنا على إدارة حوار مع رئيس السلطة الفلسطينية وتقلص من القضايا التي كان يمكننا البحث حولها في الفترة القريبة) وتطرق شمعون بيرس نائب أولمرت خلال الجلسة إلى :(ضرورة إخراج حق العودة من أي نص قائم مشيرا إلى أن تفسيره أمر واحد هو تحويل إسرائيل إلى دولة فلسطينية )من جهته دعا زعيم حزب العمل ووزير دفاع أولمرت إلى :(العمل على بلورة مبادرة إسرائيلية حول اتفاق الحل النهائي منذ الآن والى مفاوضات مباشرة مع أبو مازن من اجل تعزيز موقف أبو مازن ) أما تسيبي ليفني فقد قالت في الجلسة إياها بان :( أبو مازن فرض على نفسه قيودا تجعل من الصعوبة بمكان وجود مسار سياسي مشيرة إلى أن أبو مازن لم يكتف بالانضمام إلى حكومة وحدة مع حماس فحسب بل انه طرح اتفاقاً سياسياً على مجلس الأمن القومي الفلسطيني الذي يضم أعضاء من حماس أيضا ). بدوره هاجم وزير الأمن الداخلي أفي ديختر أبو مازن وقال :( أن معارضته إقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة هي في الواقع معارضة للمرحلة الثانية من خطة خريطة الطريق ودعا للقيام بعملية عسكرية واسعة في قطاع غزة مشيرا إلى أن سياسة عدم الرد على الصورايخ التي تتبعها إسرائيل تمس بقدرة الردع الإسرائيلية ). وفي السياق ذاته قال وزير الإسكان والبناء مئير شطريت :( انه لو كان مكان أولمرت لدعا نفسه لحضور القمة العربية). وكان وزير الشؤون الاستراتيجية افيغدور ليبرمان قد دعا إلى مقاطعة كاملة للحكومة الفلسطينية الجديدة بمن فيهم ابومازن متهما إياه خلال مقابلة إذاعية مع راديو الجيش بأنه يوفر في الواقع غطاء للحكومة الجديدة).
وبالرغم من هذه المواقف جميعها فان تقدير وسائل الأعلام الإسرائيلية والصحافة على وجه الخصوص ترى في تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة غير ما تراه حكومة أولمرت وان هذه الحكومة قد :(وضعت أولمرت وحكومته في وضع حرج وخلقت تشققات جديدة في الخريطة الحزبية والسياسية الإسرائيلية) بحسب هآارتس, ثم إن الموقف الأوروبي المتباين حيال الحكومة الفلسطينية الجديدة وقرار بعض هذه الدول مثل ايطاليا وفرنسا التعاطي مباشرة معها وقرار البعض الآخر عقد لقاء ودعوة ممثلين عنها كالنرويج مثلا :( يمثل في نظر يديعوت أحرنوت فشلا ذريعا للمساعي الإسرائيلية لمنع الاعتراف بحكومة هنية ) وفي تقرير لمراسل الصحيفة المذكورة سافي هندلر يورد :»لم يجف الحبر عن اتفاق الوحدة الفلسطينية وها هي الدول الأوروبية, وعلى رأسها الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بدأت تدفىء علاقاتها مع السلطة الفلسطينية وتعرض مساعدة على الحكومة الجديدة برئاسة حماس. أما المساعي الدبلوماسية الإسرائيلية, والتوقع في القدس بأن يصر العالم على شروط الرباعية كشروط لازمة على الفلسطينيين, فقد باءت بالفشل في غضون وقت قصير. وفي الولايات المتحدة أيضا تنطلق أصوات تؤيد استمرار الاتصالات مع جزء من وزراء الحكومة الجديدة.وكانت فرنسا العضو الأول في الاتحاد الأوروبي الذي يقيم بشكل علني علاقات مع الحكومة الفلسطينية الجديدة. رئيس الوزراء الفرنسي دومنيك دي فيلبان دعا علنا إلى استئناف دفع الأموال الأوروبية مباشرة إلى حكومة الوحدة. وقالت دي فيلبان انه »يجب مساعدة أبو مازن, منح فرصة لمعسكر السلام وتبسيط عملية التغيير داخل حماس)... ويضيف التقرير:في بيان نشرته حكومة ألمانيا, الرئيس الدوري للاتحاد الأوروبي, يعرب الاتحاد عن الاستعداد للعمل مع حكومة فلسطينية, تعمل على أساس برنامج يعكس مبادىء الرباعية. وجاء في البيان أن »الاتحاد سيتابع بحرص برنامج وخطا الحكومة الجديدة). وفي هذه الأثناء يلتزم الاتحاد بمواصلة تقديم المساعدات المالية اللازمة للسكان الفلسطينيين من خلال الآلية البديلة التي أقامتها الأسرة الدولية للالتفاف على حكومة حماس.ويطالب الاتحاد ألان من إسرائيل تحرير أموال الضرائب والجمارك الخاصة بالسلطة الفلسطينية وتحرير الوزراء والنواب من حماس ممن يوجدون في السجن في إسرائيل. في بريطانيا رحبت وزارة الخارجية بتشكيل الحكومة وأعلنت: »سنحكم على الحكومة الجديدة حسب أفعالها وسنرد بما يتناسب مع ذلك). ومن المتوقع لوزيرة الخارجية مارغريت باكت أن تطلق يوم الاثنين بيانا رسميا عن أن الحكومة البريطانية ستعقد اتصالات مع الوزراء من غير أعضاء حماس فقط.أما حكومة النرويج فقد سارت إلى ابعد من ذلك وأبلغت السلطة الفلسطينية بأنها ستعترف بشكل كامل بحكومة الوحدة الجديدة.كما أن الحليف المخلص لإسرائيل في الساحة الدولية, الولايات المتحدة, لم تعلن بالقطع بأنها ستقاطع حكومة الوحدة الفلسطينية. ففي واشنطن يقدرون بان أوروبا والأمم المتحدة على حد سواء ستحاولان عقد حوار ما مع الحكومة الفلسطينية ).
وبين المطالبة باستمرار الحصار الاقتصادي على الحكومة الفلسطينية الجديدة والمطالبين بالتعاطي معها على خلفية تقوية معسكر»ابومازن تحديدا) وإضعاف معسكرحماس والجهاد على وجه الخصوص تنطلق بعض الأصوات التي تدعو للتعاطي مع حكومة الوحدة الوطنية ولكن ضمن شروط واضحة . ألوف بن في هارتس يرى أن ثمة ستة شروط إسرائيلية للتعاطي مع حكومة فلسطينية تضم أعضاء من حماس:يعتقد رئيس الوزراء أولمرت بأنه لا يجب رفع الضغط السياسي عن حماس, ولا يجب التنازل عن »شروط الرباعية الثلاثة) التي طرحت على الحكومة الفلسطينية: الاعتراف بإسرائيل, التخلي عن الإرهاب واحترام الاتفاقات السابقة. من ناحيته, قبول الشروط سيؤهل وزراء حماس كشركاء في المفاوضات السياسية, ولكن حتى تلك اللحظة يجب إبقاؤهم خارج جدار الشرعية ....مبعوثو أولمرت سبق أن سمعوا قبل نحو عشرة أيام في واشنطن أن الإدارة الأمريكية ستتحدث مع وزراء فتح في حكومة الوحدة الفلسطينية. رسائل مشابهة وصلت من أوروبا أيضا. وعلى هذا الأساس يعتقد بن أن التعاطي مع جزء من الحكومة الفلسطينية الجديدة ومقاطعة الجزء الآخر يخلق معضلة كبيرة أمام حكومة أولرت لذلك إذا ما أرادت حكومة أولمرت التملص من هذه المعضلة فانه يجب: طرح ستة أسباب لحوار إسرائيلي مع حماس. أولا, من أجل الحديث مع الجهة القوية في الجانب الفلسطيني. ثانيا, حماس تلتزم بوقف النار مع إسرائيل, رغم أنها لا تفرضه على الجهاد الإسلامي. ثالثا, منذ وافقت حماس على وقف النار قبل أكثر من سنتين, قتل قدر أقل بكثير من الإسرائيليين في العمليات مما كان في عهد فتح. رابعا, حماس هي الحركة أكثر انضباطا وترتيبا من فتح. خامسا, حماس تزعج إسرائيل أقل بكثير من فتح بالادعاءات بالمس بحقوق الإنسان, بالحواجز وبالجدار.سادسا وهو الأهم, الفجوة بين مواقف حماس ومواقف أولمرت ووزيرة الخارجية تسيبي لفني أضيق بكثير مما تبدو. فالهدنة, وهي وقف النار طويل الأمد, التي تقترحها حماس على إسرائيل ليست بعيدة في جوهرها عن التسوية الانتقالية طويلة المدى, التي يقترحها أولمرت ولفني على الفلسطينيين). ...
التعاطي مع أبو مازن بحكم انه مفوض من قبل الحكومة الجديدة وعدم التعاطي مع وزراء حماس هو جذر المراهنة الإسرائيلية في نجاح سياساتها في استمرا فرض الحصار وفرض الشروط الإسرائيلية على الفلسطينيين في نظر داني روبنشتاين:»بامكان إسرائيل أن تعتبر نفسها متضررة من إقامة حكومة الوحدة الفلسطينية. الرئيس محمود عباس مهندس اوسلو ومنظمة فتح الذين كانوا في مركز المفاوضات السياسية, انضموا إلى ائتلاف حركة حماس التي لا تعترف بإسرائيل. هذا بالنسبة لإسرائيل يعتبر تراجعا في مواقف أولئك الذين قادوا عملية السلام. ولكن إسرائيل ربحت شيئا ما من ذلك أيضا. هناك شريك. أبو مازن حصل الآن على تفويض واضح من كل الجمهور الفلسطيني بإجراء الاتصالات التسووية.الناطقون بلسان حماس قالوا في نهاية الأسبوع أنهم قد تضرروا كذلك. كانت لديهم أغلبية واضحة للسيطرة على السلطة الفلسطينية, ولكنهم تنازلوا عن مواقع القوة المركزية في حكومة الوحدة لوزراء من غير الحركة. هم يقولون ان حكومتهم قد حققت إنجازا هاما, وهو نجاحها في الصمود لسنة كاملة تقريبا, رغم وقوف العالم كله ضدها. قاطعوها وقاتلوا ضدها من الداخل والخارج - ولم تسقط. على هذه الخلفية يمكن القول أن لحكومة الوحدة الوطنية تلك احتمالات أكبر للصمود. فئة قليلة هي التي ستقف ضدها, والكثيرون سيؤيدونها ويتعاونون معها, بينما سيقوم آخرون بتجاهل البندين ويتفاوضون مع قسم من وزرائها. على هذا الأساس بدا في الأيام الأخيرة وكأن الجهود الإسرائيلية ضد حكومة الوحدة الفلسطينية يتحول إلى قتال ضد طواحين الهواء».الملفت للنظر هو نتائج الاستطلاع الذي أجرته يديعوت أحرونوت والذي أظهرت نتائجه أن :» 65 في المائة يدعون إلى الحديث مع الحكومة الفلسطينية..)