تتناسل الفضائيات العربية, بشكل أسرع من تناسل العرب الفلكي. وتبتكر كل قناة جديدة طريقة في التسويق, ربما تتقاطع مع من سبقها, وربما تضيف أشياء صغيرة, ترفدها بقليل من العيون.
تحولت (mbc) بفعل التكاثر, إلى أربع قنوات. الأولى خليط من الأغاني والبرامج المنوعة والأبراج والطبخ, ونثرات لا تذكر من الأخبار. ويبدو أن هذه القناة تخجل أن تلغي نشرة الأخبار, مع أنها لا تخجل في أمور أخرى كثيرة غيرها.
وبعد انطلاق قناة (mbc2), وحصدها لنتائج جيدة على مستوى المشاهدة, بدأ التسويق للمنتجات المتنوعة, والتي تدعم القناة وتقوي عزيمتها. ومن ثم وجد المالكون أنه عليهم أن يمسكوا بكل أطياف المجتمع, إذ ما زال الأطفال خارج قبضتهم. فما كان منهم إلا أن أطلقوا قناة أطفال (mbc3). وطبعاً, كعادة كل القنوات العربية, لا يجب أن تكون هذه القناة جيدة, ولا يجب أن تتفوق على أي قناة أطفال أخرى. فجاءت لتقدم مسلسلات العنف والقتل, وأدخلت الترويج لمنتجات الأطفال ضمن برنامجها الحيوي.
لا يملك الأطفال العرب بديلاً عن وجبات القنوات العربية الخاصة بهم, ولا يملك الأهل في المقابل البديل, فبالضرورة سيرضخ هؤلاء الأهل إلى الاقتناع بتدمير أطفالهم البطيء. وسيرضخون أيضاً إلى طلباتهم الجديدة, وصراخهم في حال لم يجلب لهم الأهل الألعاب التي تعرض على القنوات بشكل يفوق تقنياتها في الواقع.
تتغلب قناتا (space toon) المتخصصتان بالأطفال, على القنوات العربية الأخرى, وإذا نظرنا إلى السبب, فسنجد أنه يكمن في طريقة عرض الصور المدروس, وكذلك في طريقة تسويق منتجات الشركات الغربية. وإمعاناً في التدمير البطيء, تدعو القناتان الأطفال إلى الاتصال بهما عبر الأرقام الظاهرة على الشاشة. ولكن الأخلاق تبدو في عبارة يقولها مذيع تعبر عن حرص هاتين القناتين على الأطفال: (استشر أهلك).
ما عمر الأطفال الذين يجلسون لمشاهدة برامج (space toon)? وهل من الضروري أن يتصل الطفل? أليست هناك من وسيلة لدعم هذه القنوات إلا عن طريق دفع الأطفال إلى الاتصال أو إرسال رسائل قصيرة عبر جهاز الموبايل?
يستطيع أصحاب القناة أن يطلبوا من الأهل مبلغاً من المال, كضريبة على متابعة أطفالهم للبرامج المدمرة, ويمكنهم أيضاً أن يفرضوا ضريبة رفاهية على أطفال الفقراء, لأنهم يكحلون عيونهم بالألعاب الغالية الثمن.
الكبار لهم قنواتهم العربية المفيدة, فهم يتنقلون بين مئات المحطات دون ملل: برامج الأبراج على كل شاشة تقريباً, والمشعوذون يتسللون عبر الأثير ويجلسون متشبهين بالحكماء, والراقصات تقفزن بسرعة البرق إلى أي سنتيمتر فارغ في أي شاشة..إلخ. وكل هذه القنوات تجلب مشاهدين وتسوق بضائعها بسهولة, ولا تنقطع رسائل الموبايل عن الدوران على كل أطراف الشاشة.
وكما يتورط المراهقون والمراهقات والكبار في لعبة سحب المال من جيوبهم, كذلك على قنواتنا العربية أن تعمل بكل قواها على توريط ما تبقى من المجتمع (أي الأطفال), لأنهم ما زالوا تربة خصبة للابتزاز, وما زالت أدمغتهم ورقة بيضاء, يجب أن نملأها بشتى أنواع التفاهات.