في الواقع لا تستند استراتيجية واشنطن والناتو على كسب الحرب أو الصراع , وإنما تستند على خلق الظروف المناسبة للفوضى الدائمة والحفاظ عليها . والتي تعتبر الوسيلة الضرورية للسيطرة على السكان والأمة والثروات, وضمان الطلب الدائم للقوات والمعدات العسكرية من الغرب – ففي الولايات المتحدة يسهم المجمع الصناعي الحربي والصناعات والخدمات ذات الصلة وحده بتأمين 50% من الناتج الوطني . وبشكل أدق , إن أي دولة أصابتها فوضى عارمة تصبح حكماً في حالة إفلاس وتحتاج للأموال – أموال بشروط قاسية, أموال بشروط تقشفية , تلك التي ينفقها صندوق النقد الدولي, والبنك الدولي وبنوك أخرى باسم « مؤسسات تنمية « تمنح القروض . وبالتأكيد هذه الأموال المرادفة للعبودية , حينما يمنحوها لزعماء فاسدين لن يعيروا اهتماماً لشعوبهم .
وهذا ما ترمي إليه الولايات المتحدة بالتحديد في كل من اليمن وأوكرانيا وسورية والعراق والسودان وفي أفريقيا الوسطى وليبيا .. وفي أي مكان آخر . وليس مهماً من يقاتل من . حيث تطول القائمة بأسماء التنظيمات المكونة من قتلى مرتزقة يمنحوها اسماء في محاولة لتلميع حقيقتها . ويمكن أن نضيف إليها بلاك ووتر و وأسماء أخرى تستخدم تباعاً في محاولة للتغطية على مسار الأحداث على نحو أفضل . وتشرف على بث الفوضى الأنغلو – أميركية الصهيونية دول تدور في فلكهم وتأتي السعودية وقطر والبحرين ودول خليجية أخرى في مقدمتها بالإضافة طبعاً إلى فرنسا وأنكلترا .
ومنذ فترة ليست بالبعيدة وقع الرئيس الفرنسي هولاند عقداً بلغ ملايين الدولارات مع قطر فقط من أجل توريد طائرات رافال وعلى مثله يجري التفاوض عليه مع السعودية , وهذا يأتي ضمن فزاعة اصطنعوها تدعي محاربة أعداء وهميين , ونضيف إليها اصطناع الغرب مفردات تجعل المواطن أسيرها كما لو أنه أسير المرض , إلى حد أنه يصبح عاجزاً عن معرفة ما تعنيه الكلمات بشكل صحيح . ويرددها كما هي ويأخذ كل شيء كأمر مسلم به . وتلعب وسائل الإعلام دوراً تغرق المرء من الصباح حتى المساء بأخبار تجعل من الإرهابيين والمتمردين طلبة حرية ومدافعين عن استمرارية حياتهم في وجه أنظمة طاغية. يطلقون على اللاجئين الأفارقة الفارين من صراعات أشعلت نارها واشنطن في بلدانهم – وقد لقي 4000 منهم حتفهم هذا العام في عرض البحر خلال محاولتهم البحث عن « حياة أفضل « في الطرف الآخر من المتوسط – اسم « مهاجرين غير شرعيين « – وهي كناية أريح من تسمية لاجيء – وكله نتيجة الفوضى الاقتصادية والرعب الذي زرعه الغرب في بلدانهم .
ألا يعتبر الرئيس الفرنسي هولاند الذي يرسل طائراته المدمرة لتقصف بلدان ولا ينتج عن هذا القصف سوى مزيد من الضحايا الأبرياء ومزيد من الدمار والعبودية واللاجئين من أخطر مجرمي الحرب ؟
وبما أنه يصعب على الجيش الأميركي ومعه الناتو التواجد في كل مكان فقد اعتمدوا على القتلى المرتزقة . وعلى هذا الأساس اخترعت واشنطن ومولت من خزائن أموال خليجية تنظيمات على غرار داعش والقاعدة لخلق الفوضى المنشودة تحت رايات مزيفة , تجعل منهم واشنطن أعداءها الوهميين وفي نهاية المطاف تتدخل إلى جانب الناتو زاعمة محاربة هؤلاء المرتزقة الذين فقسوا في حجرها منذ البداية .بينما تتكتم وسائل الإعلام عن هذه الحقائق .
وفي اليمن يحاولون أن يصوروا الصراع على أنه صراع بين مكونين يمنيين من أجل السلطة , ولا يسعى السعوديون والتحالف المشيخي معهم سوى إلى تحرير اليمن من عصابات إرهابية مدعومة من إيران – وهو إدعاء نفاه بشدة مسؤول من الأمم المتحدة - ولكن تعتبر تلك فرصة لواشنطن لتصب الزيت على النار إلى أجل غير مسمى وتقمع السكان لتحفظ لها معبر غير محدود إلى ميناء عدن الاستراتيجي .
ونفس النهج تتبعه واشنطن في اوكرانيا , حيث أرسلت الولايات المتحدة بأوامر من وكالة السي أي إيه 6000 عسكري أميركي بصفة مدربين لتدريب قوات كييف على محاربة سكان إقليم دونباس , يدربوهم على ترسيخ الفوضى . وفي الوقت الحالي , يسعى « المستشارون « العسكريون الأميركيون ووكالة السي أي إيه بمساعدة القتلى المحترفين استفزاز روسيا للدخول في حرب , من المحتمل جداً أن يتوسع لهيبها نحو أوروبا والعالم برمته . ولغاية الحين يمر العالم بمحاذاة تلك الكارثة وذلك بفضل الحكمة الاستراتيجية لروسيا في تجنب خوض أي حرب .
وضمن هذا السياق نسترجع قول لكيسنجر ( أحد مجرمي الحرب المكرم بجائزة نوبل للسلام ) يقول فيه :» من يسيطر على الاحتياطي الغذائي يسيطر على الشعوب , من يسيطر على مصادر الطاقة يسيطر على قارات بأكملها . ومن يسيطر على المال يمكنه السيطرة على العالم .»