القرضاوي وحشود صف ضباط التحالف الذين يشتغلون على خط ازالة العقبة السورية من طريق “شرق أوسط جديد” إسلاموي-أمريكي, وجدوا أنفسهم أمام مهمة شاقة, هي تجميل قبح الإمبريالية, وصرف الأنظار عن التناقض الأصلي المتكون بينها وبين شعوب العالم, وفيها العرب والمسلمون.
القرضاوي طالب البابا بنديكتوس السادس عشر بالاعتذار للمسلمين, مثلما اعتذرت الكنيسة الكاثوليكية لليهود(؟!).
ولأن منتج الفيلم المسيء للإسلام ومخرجه ومجمل مصنعيه بروتستانت ويهود. أي أنهم خارج ولاية بابا الفاتيكان, فقد طاش سهم القرضاوي في تخليق مشكلة مسيحية-اسلامية تصرف الأنظار عن التناقض مع الإمبريالية, وتعيد الزخم إلى عدوانية التحالف على سورية, لاسيما بعد أن ضم البابا صوته, في زيارته لبنان, إلى صوت المنددين بتدفق سلاح التحالف إلى سورية.
الصدع الأهم في التحالف انطوت عليه المقاربة الأمريكية لمسألة الفيلم, واستدعاءاته.
الوزيرة كلينتون حددت أن إنتاج فيلم مسيء للإسلام يندرج في باب “حرية الرأي”. وأن حكومتها لا تستطيع أن تفعل شيئا. أي أنها لا تستطيع مقاضاة هؤلاء المسيئين.
وهذا ما فعله الرئيس أوباما, فهو أسهب في الحديث عن مصرع سفيره في بنغازي, ومعه ثلاثة دبلوماسيين. وعدّ ذلك سببا موجبا لتحريك مدمرتين قبالة شاطئ ليبيا, وزج عناصر من “المارينز” في اليمن ومصر وليبيا, لضمان أمن الدبلوماسيين الأمريكيين.
هذه المقاربة تنطوي على ركنين:
1-ركن النفاق الذي امتحنه العرب والمسلمون مرات في تباين تبلد الإحساس الإمبريالي حيال أي اساءة لمعتقداتهم, مقابل حمية شعواء ضد أدنى تشكيك بأرقام ضحايا “الهولوكوست”!.
2-ركن تفعيل أواصر الارتهان في الوطن العربي لمشيئة الهيمنة الإمبريالية على شعوب العالم, وفيها العرب والمسلمون.
فقد دب النفير في صفوف النخب والحكام المدينين للولايات المتحدة بديمومة حكمهم, وبإيصال بعضهم إلى الحكم, واستنسخ الإعلام المرتهن للمشيئة الإمبريالية نفاق واشنطن, وقام بما يجب عمله ضد “الإرهاب” الذي يقع أمريكيون ضحاياه, باستنسابية فظة كما لاحظت الخارجية الروسية.
وازدحمت فضائيات هذا الإعلام بجياد النخب الثقافية العربية المعبأة “ليوم كريهة وطعان خلس” كهذا, كما في مرثية الخنساء.
ومن دون أن نغوص في لجة تفاصيل تجميل قبح نفاق الإمبرياليين وأهبتهم لممارسة إرهاب الدولة الرسمي بالمارينز مباشرة, نشير إلى أن جياد النخب العربية توكأت على “العقلانية” في ليبيا ومصر واليمن ومملكة السعوديين, بالاستجابة للركن الثاني في الاستنهاض الأمريكي لأواصر الهيمنة على الشعوب المنكوبة.
ليبيا اعتذرت عما لحق بالأمريكيين. واستحق حاكم اليمن شكر واشنطن على قتل أربعة محتجين أمام السفارة في صنعاء. وأحيطت دعوة الرئيس مرسي من بروكسل مواطنيه إلى “ضبط النفس”(!) بهالة إعجاب جياد الارتهان لأمريكا المستنفرين في “الحرة” ونظيراتها في الـB.B.C و”الجزيرة” و”العربية”.
وانفردت مملكة السعوديين بإكساء ارتهانها لواشنطن كسوة دينية, استنكر فيها المدعو عبد الإله العياشي, الموصوف في الـB.B.C بأنه “داعية إسلامي”, اقتحام السفارة في ليبيا وقتل السفير. مؤكدا أن الاحتجاج على الإساءة يكون “بطرق سلمية وليس بالعنف”!!!.
“الطعان الخلس” والحال, تمثل في تخطي مشكلة الأساس وهي الإساءة للإسلام, إلى مشكلة العنف الموجه إلى الأمريكيين, الذي صار الشغل الشاغل للمرتهنين. وهنا حجر الزاوية في معضلة هذا الزمان.
إذ أن معالجة الإساءة الإمبريالية للإسلام على هذا النحو, محكومة بمقتضيات ربيع التحالف الإمبريالي-الإسلاموي, وفيها “المنة” الأمريكية على أنظمة هذا التحالف في ليبيا ومصر واليمن, المعنية أساسا كأنظمة مملكة السعوديين والمتسعودين, بتزوير مسار الاندفاعات الشعبية ضد الهيمنة الأمريكية, وإكراه العرب على التوجه صوب العنوان المغلوط, وإفراغ شحنة السخط على الإساءة للإسلام في مسار التجزيئية, المفضية حصرا إلى بلع إهانة المسّ بالمعتقدات, حتى وإن طالت منزلة مفتاحية في هذه المعتقدات كالإساءة إلى شخص الرسول (ص)!!!.
تمثلت التجزيئية في اعتماد واشنطن وعواصم الارتهان خطابا ينحو بـ”اللائمة” على تنظيم “القاعدة” في ممارسة عنف الاحتجاج. وفي ليبيا: على رجال نظام القذافي. وفي القاهرة وصنعاء بوشرت المطاردة لإلقاء القبض على فلول نظامي مبارك وصالح, بغية “التحقيق والمحاكمة”!!.
يتصل بارتباك هذا التحالف نطق اثنين من صف ضباطه الصريح بأن سورية هي المستفيد الوحيد من انفجار التناقض بين أمريكا والعرب والمسلمين, على خلفية الإساءة للرسول (ص) ورد الفعل عليها.
1-متحدث في برنامج حواري قدمته فضائية “المصرية” المؤخونة الساعة 22-23 يوم 13/9.
2-دلال البزري الكاتبة المتسعودة في “الحياة”, عبر الـB.B.C, الساعة 21-21:30 يوم 14/9.
سورية مستفيدة حقا, لأنه لا يمكن جمع الصيف والشتاء على سطح واحد. هذا محال, مثلما هو محال أن تكون الولايات المتحدة صديقاً للعرب والمسلمين, خصوصا لأنها راعية إرهاب الإسلاميين في سورية, والأخونة في مصر.
لم ينطل على السوريين تجميل قبح الدور الأمريكي في التحالف الإمبريالي-الإسلاموي الآثم. وها هو صوت المصريين, وهم يهاجمون السفارة الأمريكية, يتجه مباشرة إلى العنوان الصائب: طرد السفيرة وقطع العلاقات.
وحتى تكون لهذا التوجه قيمة ثورية, أعلنت دمشق في خضم معركتها مع هذا التحالف الآثم التوجه شرقا, أي لتفكيك بنية الارتهان للإمبرياليين.
وهذا ما تختزنه صيحات المصريين للتحرر من علاقة مع واشنطن, تستعبدهم.
SIWAN.ALI@GMAIL.COM