تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الدخول في العمق

علوم وبيئة
الثلاثاء 18-9-2012
د.طالب عمران

يستمر الحصار على الإنسان، مع ازدياد التطور العلمي، والاهتمام بالمادة على حساب القيم. ورغم اتساع آفاق الإنسان التصورية، وقدرته على التمييز بين الخطأ والصواب، فإنه يلّح على نزعته الأنانية، ويحاول السيطرة على حساب القيم والأخلاق.

وتتزايد المساحات بين الناس وتزداد الفوارق بين الغني الذي يملك الكثير ويستطيع أن يفعل الكثير بماله، محصناً نفسه ضد عاديات الزمن، وضد الأخطار والأمراض وهو يحسب أنه سيعيش أبداً. ورغم العطور والحرير وقوافل المشيعين، فستتفسّخ جثته، مثل جثة أي فقير عادي بلا حول ولا قوة، أمرضه السهم، وأقعده الجوع وأماتته أحاسيس القهر من حصار لا يملك ردّه، لأنه وحيد.‏

كثيراً ما يصادف المرء أحداثاً غريبة، قد لا يتوقع حدوثها أبداً، ويعيش مرحلة مدهشة قد لا يصدقها أحياناً، عندما يخرج منها. والمناطق المنعزلة، النائية، حيث يتعايش الإنسان مع الطبيعة في صخبها وهدوئها قد لا تكون الحياة فيها رتيبة كما يعتقد الناس، وإنما قد تشحن بأحداث غريبة، لا يشعر بها إلا القادم للعيش في تلك المناطق.‏

والإنسان منذ نشأته على هذه الأرض، تبهره القوى الخفيّة، وترعبه أحياناً وفي هذا العصر، بعدما نفذت المدنيّة والتطور إلى جميع المناطق، ما زالت القوى الخفية ترعب الإنسان، وتبهره وتدهشه، وحب الكشف هاجس الإنسان منذ نشأته، وبهاجس الكشف، توصل إلى إبداعاته عبر العصور، وبنى حضاراته.‏

واستمر يغني تراثه الإنساني، بكل فروع المعرفة، حتى توصل إلى كشف العديد من الخفايا، والنظريات المعقّدة التي حلّ بواسطتها مشكلاته المعرفية وأدخل الرفاه لحياته. ولكنه مع التقدم العلمي، بدأ يبتعد عن كشف الجوانب الخفية في شخصيته الإنسانية، وظل مع التطور يبتعد عن الاهتمام بهذه الجوانب، دون أن يدري أنه بذلك يبعد حضارته عن الخير والحلم والشفافية.‏

لم تكن البشرية في مسيرتها التاريخية مقتنعة أن الذكاء الإنساني هو ذكاء متفرّد، كانت تتخيل أن هناك أنواعاً من الحياة العاقلة موجودة حولها دون أن تستطيع كشفها وكبر هذا التخيل حتى شمل البحث عن الحياة العاقلة في الكون المحيط بنا.. وما زال هذا البحث مستمراً. والذكاء الإنساني لا يقارن بذكاء الكائنات الحيّة الأخرى، فهو ذكاء موجّه عميق له قدرة على الاستيعاب والتحليل والاستنتاج بشكل لا يضاهيه فيه أي نوع آخر من الحياة. طبعاً نحن نرصد بعض الكائنات الذكية ونحاول متابعتها ومقارنة ذكائها ببعضها، واختيار الأميز، مؤكدين أن هذه المقارنة لا ترقى بها إلى المقارنة بمستوى ذكاء البشر.‏

وإن العلم قد لعب دوراً كبيراً في حياة الإنسان المعاصر، رغم أن منجزاته قد بقيت غير واضحة في عالم الأدب الإنساني.‏

ومنذ عصر جول فيرن وهربرت جورج ويلا استقرّ الخيال العلمي، كنوع أدبي تقبله الكتّاب واستفادوا منه في ابتكار بعض المصطلحات التقنية وتقديم بعض التحليلات العلمية. وما بين (أوبرات) الفضاء، ووحوش الكائنات الخرافية جاحظة الأعين، انطلقت رحلات كبيرة في الفيزياء النيوتونيه، والنظرية النسبية وبيولوجيا الجزئيات. كانت وظيفة الخيال العلمي أكثر من الإمتاع والتسلية، فقد قدّم مصداقية وطروحاته تميّزت في أدب جول فيرن الذي بدأ ينتقل من حرّ الخيال إلى التطبيق، بعدما كان أشبه بخيال بعيد عن إمكانية التحقيق.‏

والإنسان في عصر العلم الذي نعيشه، ما زال يحاول كشف الأسرار من حوله، والسيطرة على جموح خياله، في المستقبل الموغل في البعد، لأن هذا الجموح للخيال ليس أكثر من (فانتازيا) ليست لها علاقة بحياة الإنسان وهمومه ومشكلاته.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية