تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


البحر الثالث.. موج أخضر يتقد في الذاكرة

كتب
الأربعاء 25-4-2012
يمن سليمان عباس

شغفت الباحثة فريال سليمة الشويكي بالتراث السوري و نذرت وقتها و جهدها للإبحار فيه جمعاً وتوثيقاً وشرحاً و كانت الحصيلة مجموعة هامة من الكتب التي أثرت المكتبة العربية في هذا المضمار.

وكونها عنيت بالتراث في المنطقة الساحلية فقد أعدت موسوعة هامة صدرت حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب بدمشق حملت الموسوعة عنوان «البحر الثالث.. الأغاني الريفية الساحلية».‏

تقع الموسوعة في ثلاثة أجزاء، الأول و الثاني يعنيان بالتوثيق و الشرح، و الثالث هو نوطة موسيقية لهذه الأغاني. قدم للموسوعة الأديب الباحث محمد خالد رمضان و الاستاذ نوري اسكندر و الدكتورة فكتوريا فائز سعود‏

كنوز منسية:‏

ومما قالته: الدكتورة سعود نقتبس :أحياناً يصعب عليّ أن أفصل بينها و بين التراث حتى يخيل إلي حينما ألقاهاو أستمع إلى بحة صوتها، و أرى دمعة تترقرق في عينيها أنني حقاً في متحف يحفل بمئات اللقى الأثرية، و هنا أتجول في عالمها الفني دونما حاجة إلى وقوف في الدور أو قطع تذكرة إلى دليل أو مترجم.‏

المؤلفة فريال سليمة أنثوية التفكير واسعة الخيال عذبة المعاني، تجيد ربط الحوادث بسياقها التاريخي دون حرج من موقف أو عادة أو تقليد أو معتقد أو تسمية أو تعبير.تكتب التراث الذي كاد يؤول إلى الضياع بصدق و أمانة لم يسبقها أليه أحد من قبل، ولعل القدر شاء أن تزوج إلى دمشق لتبقى جذوة حبها للمكان متوقدة أبداً في داخلها و تظل دائماً متلهفة متشوقة للقائه و معانقته و تقبيله وشد الرحال إليه في ساعات الصباح الباكر لتوقظه بتحيتها الرقيقة: «صباح الخير يا حديقة الأحلام التي لا تذبل موحية إليه أنه ما يزال ينام في حضنها كطفل صغير..»‏

ما كان أحلاها وهي تصف جدتها الرقيقة كجناح فراشة تصلي الشمس فوق منديلها الأبيض وينام النسيم في سلتها و هي تجمع التين الناضج في ذاك المنحدر الخالد، تسطح التين في أشد ساعات النهار حرارة.‏

ما أروعها وهي تفرد مقالة تقارن بها أمها التي تعرف الحقول وعصافير الدوري وقع خطواتها من الفجر إلى الغسق بنساء الدعة والراحة في المدن، كم هي و فية لروح جدها العظيم الذي كانت سمعته وكرمه وحسن ضيافته تطبق الآفاق.‏

إن شيئاً آخر يحركها و يجعلها دون إرادتها تدرج أفراد أسرتها الدمشقية في نسيج كنوزها المنسية، ألم يعتد زوجها الطبيب و الذائع الصيت الدكتور زياد شويكي غيابها عن البيت لجمع التراث الساحلي وتوثيقه؟!..‏

ألم يشارك أطفالها في كتابة هذا التراث و هي تحملهم صغاراً في رحلاتها البعيدة؟‏

لقد أجادت المؤلفة حقاً في تعريف نفسها و من انحدرت منهم أنها توارثت واياهم تحقيق رسالات صعبة، وأنا أضيف أنها ومن انحدرت منهم معجونة بالوفاء ومجبولة بالصدق مصاغة من معدن نادر.‏

في كتبها التراثية تستشف عمق صلتها بالوطن و لعل غربتها لخمس سنوات في الولايات المتحدة الامريكية زادتها تعلقاً به و افتخاراً بماضيه.‏

وأخيراً تقول سعود: لقد ساهمت المؤلفة بسد فراغ كبير في مكتبتنا العربية التي تعنى بالتاريخ وبتوثيق التراث في ريفنا الساحلي بعد أن كادت رياح النسيان تذروه.‏

ولن يهدأ بالها حتى تشهد افتتاح متحف لهذا التراث يؤرخ حياة الناس منذ مئات السنين و حتى ستينات القرن العشرين، أليس الماضي هو ما نملكه و نعتبر به و نعتز بإرثه لنصنع حاضرنا وغدنا المشرق؟!‏

ثقافة من نوع آخر‏

أما المؤلفة فتقول: إن البحر الثالث هو مخزون ذاكرة الناس لثقافة من نوع آخر تراكمت قروناً كإرث غنائي مدهش حفظت كلماته و حوى الألحان المتنوعة الرائعة التي يستحيل أن نجدها في بقعة اخرى بهذه الوفرة. أوصاف الجمال فيها تفوق قيمة الجمال، تستشعر فيها خلجات النفوس العاشقة وحسرات القلوب المخذولة و أصوات أفراح الفرحين تملأ الأفق وتعشش في سفوح الجبال و تنساب على شاطىء البحر، تسجيل حي صادق لألوان حياة الناس من المولد حتى الممات.‏

الدلعونا و ديوان الريف الساحلي‏

تناولت المؤلفة في الفصل الأول من الجزء الأول أغنية الدلعونا التي تأتي في مقدمة الأغاني الريفية و تعد الأكثر انتشاراً بينها لا تنافسها أغنية اخرى، و هي تعد بحق ديوان الريف الساحلي كونها اغنية شبابية بامتياز، و تعرف الدلعونا على أنها (دلعنات) وهي آلهة الخصب و الحب عند الكنعانيين، و هناك مقدمات لأغاني الدلعونا منها:‏

على دلعونا على دلعونا‏

السمر بيجرحوا البيض يداوونا‏

على دلعونا على دلعونا‏

ماراح ننساكم يا اللي نسيتونا‏

على دلعونا على دلعونا‏

لاتشد واحبال الهوى بترمونا‏

على دلعونا على دلعونا‏

تزهر ما تثمر يازيزفونا‏

وهناك أيضاً أغنية اللالا و أغنية الليا و أغنية سكابا ويامشمل وأم الزلف والهوارا و المواويل و العتابا.‏

الروزنا‏

الجزء الثاني من الموسوعة هو استمرار للجزء الأول تتناول فيه المؤلفة بقية الأغاني مثل : الزوبا- الماني- لولح- ولك يامو- يابنات الاسكندرية- ميلي يا سمرا - مريم مريمتي- عاليادي- اوف مشعل- جملو - هيكالو- عالأسمر اللون - دخلك يامو قوليلا و غيرها من الأغاني التي اشتهرت بها المنطقة الساحلية.‏

من اغنية الروزنا نقتطف:‏

عالروزنا الروزنا‏

كل الهنا فيها‏

شو عملت الروزنا‏

الله يجازيها‏

هالروزنا هالروزنا‏

كل الهنا فيها‏

شو عملت هالروزنا‏

قمتي و سديتها‏

والروزنة عند أهل الريف عبارة عن فتحة دائرية في سقف المنزل الريفي و قطرها حوالي نصف متر، تقع فوق الجزء الذي توضع فيه مؤونة الدواب وتغلق طيلة أيام السنة بواسطة حجرمسطح كبير و تفتح فقط عند تعبئة مؤونة الحبوب و إدخال التبن إلى المكان المخصص له و يقع تحتها مباشرة في عمق المنزل ما يطلق عليه الحاصل و تعني زبد الموضوع كما تشير هذه‏

التسمية إلى نتيجة و مقدار ما حصله الإنسان من مؤونة له و لدوابه خلال عامه.‏

ومن أهزوجة الحماة و الكنة نقتطف:‏

الله يسترها لمرة‏

لاحاد يطلع لبرة‏

الحما هي و كنتها‏

قتلوا بعضن عالجرة‏

والجرة قد تلاقي‏

وقعت من بين دياتي‏

يا ستي مانا شماتي‏

بعطيكن حق الجرة‏

يا ستي شو بتريدي‏

لأعطيكي حق الجرة‏

أنا ما بدي حقا‏

بدي عيونك تتفقا‏

بطاقة تعريف‏

الكتاب: البحر الثالث.. الأغاني الريفية الساحلية المؤلف: فريال سليمة الشويكي.‏

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب دمشق‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية