ففي خطاب أوباما ترددت عبارات إيجابية مثل «المصالح المشتركة» و «الاحترام المتبادل» و «الشعب الفلسطيني يعاني منذ أكثر من ستين عاماً آلام التشرد في المخيمات والإذلال في الاحتلال، والولايات المتحدة لا تقبل شرعية الاستيطان الإسرائيلي المستمر ولن تدير ظهرها للطموحات المشروعة للشعب الفلسطيني ليعيش بكرامة في دولته المستقلة..» الخ.
فهو خطاب يفتح آفاق التصالح وإقامة العلاقات المتوازنة ويعلن انتهاء سياسة المعايير، والمزدوجة ويقرر وضع مصالح الولايات المتحدة قبل مصالح إسرائيل ويدعو إلى الحوار والشراكة بدلاً من علاقات التبعية وسياسة الاملاءات، وإلى العدل بدلاً من الابتزاز.
خطاب، يتحدث عن تسامح الإسلام مع أصحاب الديانات الأخرى.
باختصار هو خطاب واعد يعبر عن نهج أمريكي جديد من شأنه إذا ما نفذ أن يغير مسار العلاقات الأمريكية العربية والإسلامية باتجاه الأفضل، وهذا ما يختلف عن خطابات الرئيس السابق بوش التي كانت ممتلئة بعبارات سلبية مثل «محور الشر» و «من ليس معنا فهو ضدنا» أو «إما أن تكون معنا أو مع الإرهابيين» وتغيير أنظمة الحكم و «الحرب» و «الدول المارقة» و«الصراع بين الخير والشر» وإلى ما هنالك من عبارات تفوح منها رائحة الحروب والعدوان والحقد على الشعوب.
من جهة أخرى اعترف «نتنياهو» بأنه لم تكن لديه فكرة سابقة عن مضمون خطاب أوباما في القاهرة وهذا أمر جديد بالنسبة لإسرائيل وكان رد الفعل حسبما أعلنت مصادر في مكتب «نتنياهو» أن الخطاب زاد في تفاقم التوتر في العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية وأنه لن يكون هناك اتفاق بين تل أبيب وواشنطن إلا إذا أظهر الأمريكيون مرونة في موقفهم من المستوطنات.
كذلك ذكرت مصادر أخرى أن نتنياهو أعلن في جلساته الخاصة عن خيبة أمل من موقف الرئيس أوباما تجاه ما يطلق عليه «طموحات إيران النووية».
وما أثار انزعاج نتنياهو أكثر هو أن الرئيس أوباما لم ترد في خطابه العبارة التي كان يرددها بوش على الدوام وهي «أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة» هذا إلى جانب تأكيده على رغبة واشنطن بالحوار مع إيران وهذا طبعاً يتعارض مع مخطط حكومة نتنياهو الهادف إلى تنحية الصراع العربي الإسرائيلي جانباً واعتباره مسألة هامشية وثانوية وأن الأولوية يجب أن تكون موجهة ضد البرنامج النووي الإيراني.
والملاحظ أن بيان مجلس المستوطنات استخدم اسم الرئيس الأميركي بحيث يبدأ بكلمة «حسين» لإظهار أن أصوله الإسلامية تتحكم في تصرفاته حسب اعتقادهم وتشده للوقوف بشكل غير مباشر ضد إسرائيل.
يبدو أن أفكار أوباما التي وردت في خطابه لم ولن تأخذها إسرائيل بعين الاعتبار، وهناك عدة مؤشرات تدل على ذلك منها: أنها ترفض أي تشكيك في شرعية المستوطنات وتناور فيما تسميه «البؤر الاستيطانية العشوائية» التي تعتبرها أنها بنيت دون تراخيص حكومية حسب ادعاء الحكومة الإسرائيلية علماً أن هذا الإدعاء غير صحيح، فهذه البؤر تكاثرت بتشجيع مباشر من المسؤولين الإسرائيليين وبدعم مادي ومعنوي لأصحابها وبالتالي أصبح موضوع إزالتها يعتبر بمثابة تنازل تقدمه إسرائيل للعرب.
أليس مثل هذا الأمر ابتزازاً وتزويراً للحقائق؟.
كذلك أعلن «وزير داخلية إسرائيل» «إيلي بيشاي» أن نتنياهو وجميع أعضاء الحكومة الإسرائيلية يقفون بقوة ضد طلب واشنطن وقف النشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ولم تكتف إسرائيل بذلك بل قام ثلاثة وخمسون عضواً من أعضاء الكنيست أي حوالي نصف الأعضاء بتقديم اقتراح مشبوه يقضي بأن يكون الأردن الوطن الرسمي للفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية، انطلاقاً من اعتقادهم أن مثل هذا الموضوع يشكل الطريقة الأفضل لتنفيذ حل الدولتين للشعبين ولتكون هاتان الدولتان على ضفتي نهر الأردن علماً أن الاقتراح ما زال معروضاً على لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست لمزيد من المناقشة.
وهكذا ومن خلال ما تقدم نخلص إلى استنتاج مهم وهو:
أن أي تغيير حقيقي وليس شكلياً في نهج الانحياز المطلق لإسرائيل يتطلب نوعاً من المواجهة الجادة مع حكومة نتنياهو وممارسة ضغوط حقيقية عليها لتغيير مواقفها المنافية للمنطق ولقرارات الشرعية الدولية، وهنا نشير إلى أن الرئيس السابق «بوش» كان يتحدث عن حل الدولتين إلا أنه كان بغض النظر عن تكثيف السلطات الإسرائيلية لحملات الاستيطان ولمصادرة الأراضي العربية تحت ذرائع واهية.
على أي حال الأشهر القليلة القادمة ستبين فيما إذا كانت إدارة أوباما قادرة على اتباع سياسة خارجية متوازنة في منطقة الشرق الأوسط تنهي حالة الانحياز الأعمى لإسرائيل وتمكن واشنطن من استعادة ثقة العرب والمسلمين بها والتصدي للتركة البائسة التي خلفتها إدارة بوش هنا وهناك ومقاومة ضغوط اللوبي اليهودي القوي في الولايات المتحدة.