في الواقع التفكيك الذي قام به الكاتب والمؤرخ الإسرائيلي يبين ضرورة إجراء إعادة صياغة حق وجود إسرائيل.
يوضح المؤرخ أن النظرية الصهيونية للغربة والعودة يجب تحليلها كبناء إيديولوجي، لذا فهو يصطدم بأسس الصهيونية التي تستند لتبرير شرعيتها على أساس أن وجود شعب يهودي يشكل مسألة جوهرية.
والمعروف أن شلومو ساند مناضل من أقصى اليسار وما يقوله شبيهاً بما تفوه به الليبرالي ريمون آرون.
يؤكد هذا الأخير في مذكراته الصادرة في عام 1983 أن استخدام مصطلح (شعب) له دلالات كثيرة والحديث عن الشعب اليهودي يقصد به هذه الحالة الخاصة، لكن هذه المجموعة ما كانت تمتلك أي مقومات تكون عادة أي شعب عادي كالأرض، اللغة أو منظمة سياسية.
ويتميز اليهود بثقافاتهم الوطنية الخاصة أكثر من مرجعيتهم إلى قرابة أسلاف أكثر أسطورية والنتيجة الواضحة «لا أتردد بالقول إنه برغم خطر إثارة احتجاجات غاضبة».
إذا كان الشعب اليهودي هو اختراع منظري الصهيونية فهل يجب استنتاج أن إسرائيل فقدت كل حق في الوجود؟.
هذا يعني أنه يجب التصميم على العبور إلى فترة ما بعد الصهيونية، كيف يمكن حينئذ الاستناد إلى حق الوجود؟ الجواب بالتأكيد ليس سهلاً ولن يكون كذلك بالنسبة لأي دولة تواجه مسألة حقها الأخلاقي بالاستمرار بالرغم من الحروب غير العادلة التي لا زالت تشنها على الفلسطينيين والعرب.
يبدو لي أنه يجب البحث عن الحل في مفهوم مدني للانتماء الوطني.
من المعقول تماماً أن يتأثر المواطن سلباً أم إيجاباً بالأفعال السياسية الرسمية التي تمارس باسم طائفته، فالمواطن يعتبر أن العيش ضمن جماعة غير عادلة ينتقص من قيمة حياته»، ويرى من مصلحته الخاصة أن ينشر العدل ليس لنفسه فحسب بل للجميع.
إن سياسة الاحتلال الإسرائيلي القائمة منذ عام 1967 عدا عن المعاناة التي تسببها للشعب الفلسطيني تهدم شعور الانتماء إلى مجتمع عادل، ما يؤثر على الاضطراب الواضح لدى اليسار الإسرائيلي.
ضمن إمكانية قيام وطنية مدنية فإن حيادية الدولة -أي رفض تبرير سياسات عامة تقوم على أفضلية مفهوم المصلحة العامة المثيرة للجدل- هي مطلب أساسي.
في مجتمع ديمقراطي تعددي لا يمكن للانتماء الوطني في الواقع أن يقتصر على أفراد الأكثرية الثقافية لكنه يقترح على كل اولئك الذين اختاروا المواطنية صرف النظر عن أصولهم، هذه المقاربة ترمي إلى المصالحة بين المحافظة على «روح الشعب» والانتباه إلى تنوع مكونات المجتمع السياسي الإسرائيلي وتتطلب كحجر أول الشجاعة في التخلي عن قانون العودة والتفاهم العميق مع العرب التي تعايشهم وبذلك تصبح إسرائيل دولة لمواطنيها اليهود والعرب أيضاً.
من الطبيعي أن ذلك لا يعني أن على إسرائيل التنازل عن كونها ملجأً محتملاً لليهود.
إن جماعة عادلة لا يمكن أن تبقى فاقدة للشعور تجاه الاضطهاد، ولكن ذلك يتطلب إدراكاً مماثلاً لمعاناة الفلسطيني والاعتراف بقيام الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين إلى ديارهم.
لكن هل يمكن أن نأمل من اليهود أن يتحلوا بالوعي لإدراك الخطأ الذي ارتكبته حكومتهم تجاه الشعب الفلسطيني؟.
22/6/2009