فأكوام من قش القمح والشعير... قشور الفول الأخضر والبازلاء..... قوالح وسيقان نباتات الذرة.... عروش البندورة والفول السوداني.....وأوراق أشجار مبعثرة.....وبقايا الخضار.... تفل الشوندر السكري وتفل البندورة..... ومخلفات المزرعة والصناعات الغذائية....
وغيرها الكثير من مخلفات المنتجات التي تزرع أو تصنع للاستهلاك البشري.... قد تبدو عديمة القيمة النقدية....بل ربما يكلف التخلص منها إنفاق حجم لابأس به من النقود.... يتم تحويلها بكفاءة إلى غذاء للإنسان /لحم وحليب ومشتقاتهما/ وكساء ودواء بفعل الثروة الحيوانية..... ولا يقتصر دور الحيوان الزراعي على ذلك فحسب بل يشكل توازناً بيولوجياً في النظم الزراعية الحديثة، إضافة إلى دوره في الحمل والنقل والعمل المزرعي... وتسميد التربة والاستفادة من الأراضي التي يتعذر الاستفادة منها من قبل البشر لأسباب طبيعية أو بشرية كالمناطق الجافة وشديدة الجفاف والأراضي الجبلية ومرتفعة الوعورة.... وتربية الحيوان مهنة نشأت مع بداية استقرار الإنسان، والفائدة المحققة من المنتجات الحيوانية دفعته لإستئناس الكثير من الحيوانات واستعمالها بأنشطته المختلفة.
تستأثر التربية الحيوانية في الوقت الراهن بنحو 40% من القيمة الإجمالية للإنتاج الحيواني العالمي ويشغل هذا القطاع اكبر مساحة من الأرض مباشرة بصفة مراعٍ (حيث تشغل مساحة المراعي الطبيعية في سورية أكثر من 55% من مساحة القطر)، وبصورة غير مباشرة عبر إنتاج المحاصيل العلفية وغيرها من مواد علف الحيوان.
بلغة الأرقام
بلغ عدد سكان سورية المقيمين في منتصف عام 2011 نحو (21.124) مليون نسمة، ومن المتوقع أن يتضاعف عدد السكان بحلول عام 2050 ليصل إلى /42.2/ مليون نسمة ويعتمد قسم كبير من الأسر السورية الريفية ذات الدخل المتدني على الإنتاج الحيواني كمصدر أساسي للعيش وقد ساهمت الثروة الحيوانية بنحو 18.6% من اجمالي الدخل القومي، وبلغت قيمة الإنتاج الحيواني عام 2010 نحو /3/ مليارات ليرة سورية بالأسعار الجارية شكلت /38%/ من اجمالي قيمة الإنتاج الزراعي. وساهمت الثروة الحيوانية السورية بإمداد المواطن بكميات معنوية من البروتين الحيواني /24.23 غراماً/ باليوم مقابل /62.3/ غراماً باليوم تمد بها الحيوانات الفرد في أوروبا، والحد الأدنى الموصى به لاستهلاك الفرد من البروتين الحيواني من قبل منظمة الصحة العالمية للحفاظ على أداء سليم للبدن البشري هو 36 غراماً/يومياً. أما من الطاقة فقد ســـــاهمت المنتجات الحيوانية بتوفير /462.88/ كيلو كالوري باليوم للفرد الســــوري مقابل /1024.13/كيلو كالوري توفرها منتجات الحيوان باليوم للفرد في أوروبا.
وتركبت مساهمة المنتجات الحيوانية السورية اليومية تلك من خلال لحم الدجاج بـ /3.16 غرامات بروتين/ والبيض بـ /2 غرام بروتين/ والحليب 8.96 غرامات بروتين / ولحم الغنم والماعز 3.90 غرامات ولحم البقر 1.24 غرام وأسماك المياه العذبة بـ /0.21 غرام/ واسماك البحر بـ /0.6 غرام بروتين/. إضافة إلى كميات بسيطة تساهم بها أجزاء الذبائح التي تصلح للاستهلاك الآدمي.
وتكمن الأهمية الغذائية للبروتين الحيواني باحتوائه على مجموعة من الأحماض الأمينية التي تشكل مكونات بناء البروتين الضروري للجسم.
تمتلك سورية ثروة حيوانية مهمة، وهناك عدة نماذج لتربية الحيوان، إذ توجد تربية الغنم والماعز والإبل التي يقوم بها بعض البدو ويعتاشون بشكل رئيسي على بيع منتجاتها، أما في الريف السوري فهناك العديد من مزارع الأبقار، ومداجن الدجاج، إلى جانب تربية الأغنام. يقدر عدد الأبقار بنحو 1.010 مليون رأس، تنتج قرابة 1.5 مليون طن من الحليب، و62 ألف طن من اللحوم، أما عدد الأغنام فيصل إلى نحو 15.511 مليون رأس، تنتج 644 ألف طناً من الحليب، و153 ألف طن من اللحوم، و18.6 ألف طن من الصوف. وهناك نحو 2 مليون رأس من الماعز، تنتج 138 ألف طن حليب، و12.9 ألف طن لحم. أما الدجاج فيبلغ عدده نحو 25.4 ملايين دجاجة، تؤمن نحو 3.266 مليارات بيضة مائدة سنوياً، كما يتم انتاج نحو 196 ألف طن من لحم الدجاج، وينتشر صيد الأسماك في المناطق الساحلية، ومناطق الأنهار والبحيرات، ويصل الإنتاج السنوي منه إلى 12.77 ألف طن (حسب بيانات وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي- المجموعة الإحصائية للعام 2011).
طموحاتنا يجب أن تكون أكبر
إلا أن الثروة تلك تعاني من انخفاض إنتاجيتها بشكل عام ويعزى ذلك إلى جملة متداخلة من العوامل والأسباب حيث تسود نظم الإنتاج التقليدية وتربية الحيوان على هامش المزرعة، وتنخفض فعالية الأداء الإنتاجي والتناسلي، ويتدهور واقع العروق المحلية، في ظل نقص الموارد العلفية المحلية، وتدهور المراعي، وتراجع الصحة الحيوانية، وضعف التصنيع الزراعي الحيواني وغياب مشاريع الإنتاج الحيواني المتخصصة والكبيرة. والجهود الحكومية الكبيرة التي تم توجيهها إلى هذا القطاع اتسمت بمعالجات آنية وجرعات اسعافية، لم ترتق إلى مستوى معاينة وتمحيص المشكلات الحقيقية لهذا القطاع ووضع استراتيجية علمية للتعامل معه ولعل المتتبع لتخصيص استثمارات الخطط الحكومية المتعاقبة يلاحظ عدم التوازن بتوزيع تلك الإستثمارات بين شقي العملية الإنتاجية الزراعية النباتية والحيوانية، وحتى لا يتذرع أحد بنسبة مساهمة الإنتاج الحيواني بالناتج الزراعي الإجمالي نؤكد أن مساهمة هذا القطاع تتجاوز الـ 50% من اجمالي الناتج الزراعي فيما لو تم احتساب المساهمات غير النقدية للقطاع في الأنشطة الزراعية المختلفة /الأسمدة العضوية– قوة العمل – النقل..../ فضلاً عن القدرات الكامنة والكبيرة الموجودة فيه والتي يمكن أن ترفع نسبة مساهمته إلى أكثر من 75% من إجمالي الناتج الزراعي فيما لو تم توفير الاستثمارات اللازمة لهذا القطاع وتشخيص مشكلاته ووضع حلول لها تنطلق من الواقع وبمشاركة فعلية للعاملين الحقيقيين بالقطاع إذ أكدت التجارب المتلاحقة في التعامل مع هذا القطاع فشل أي خطة تنموية في هذا الاتجاه دون مشاركة أصحاب المصلحة الحقيقية فيها من مربي الثروة الحيوانية والمنتجين الحقيقيين في صياغة تلك الخطط ووضع تصورات بشأن تنفيذها. وهناك الكثير من الدول في العالم التي يقوم اقتصادها بشكل رئيسي على الاستثمار في الإنتاج الحيواني وما يتبعه من أنشطة صناعية وتجارية وخدمية رغم عدم امتلاك تلك الدول لمقومات تمتلكها بلادنا. والمتتبع يدرك أن بعض موانئ أوروبا تحولت إلى أكبر مجمعات بالعالم لاستيراد المواد العلفية من شتى بقاع الأرض وتصنيعها واستثمار جزء منها لتغذية الحيوانات المحلية وإعادة تصدير القسم الأكبر منها بعد أن تجرى الاستفادة من القيمة المضافة المتمثلة بالتصنيع أو بالصناعات المرافقة لنشاط الصناعات العلفية مثل استخلاص الزيوت من البذور الزيتية وطرح أكسابها كأعلاف للثروة الحيوانية.
لاستخدام موارد زراعية إضافية
إن الفرصة لا تزال سانحة لاستخدام الإنتاج الحيواني كمحرك قويّ من أجل تطور اقتصادي سريع ومتنامٍ مع القدرة لإحراز تقليص ملموس بمستوى الفقر وتنويع بمصادر الطاقة وتحسين في الغذاء وقفزات سريعة في تحسين مستوى المعيشة، ولعل تضاعف عدد سكان البلاد المرتقب يتطلب مضاعفة إنتاج الغذاء ولاسيما المنتجات الحيوانية خلال أربعة عقود القادمة. تصوروا أنه إضافة إلى الحاجة لتحسين مستوى التغذية لواحد وعشرين مليون مواطن علينا أن نجد غذاء اضافياً لواحد وعشرين مليوناً جديدة، إن هذا العنصر الجديد المتنامي في الطلب يعكس نمواً اقتصاديا عالياً وقدرة هذا النمو لتغيير المظهر الاقتصادي للبلد تغييراً جذرياً. فالنمو لدينا يجب أن يكون أكثر من ضعف النمو في الدول المتقدمة. إن لهذا المنحى دلالاته المهمة على الزراعة لأنه سيفرز النمو للطبقات الوسطى من المستهلكين ليس بزيادة مستوى الاستهلاك فحسب بل بتحسين مستوى الغذاء. ولعل مواكبة هذا الطلب يحتاج إلى استخدام موارد زراعية إضافية فيما لو ظلت المستويات الاقتصادية على ما هي.
إن قطاع الإنتاج الحيواني ومنتجاته يعتبر من أكثر القطاعات تشغيلاً لليد العاملة وتوليدا للدخل، لذلك لا بد من التوجه نحو تنمية منتجاته بطرق وآليات علمية ووفق استراتيجيات ثابتة يتم وضعها بعد معاينة الواقع وتحليله ومشاركة المنتجين في صياغة تلك الاستراتيجيات، ولابد من تطبيق نظام الدورات الزراعية وإدخال زراعة المواد العلفية ضمن هذه الدورات، والاعتماد على طرق الري الحديثة لتقليل هدر المياه فنتمكن بالتالي من زيادة المساحة المزروعة على مستوى القطر، ويجب أن تتم الاستفادة من مخلفات المحاصيل الزراعية ومخلفات التصنيع الزراعي والذي وجد بالبحث العلمي إمكانية إدخالها بالعلائق الحيوانية كبديل لبعضٍ من مصادر مركبات الطاقة والبروتين التقليدية.