أي أن تتحول فلسطين التاريخية قانونيا وعلى نحو نهائي الى «إسرائيل».
وهكذا، سيتم انجاز المخطط الصهيوني لتزوير حقائق التاريخ عبر التعديل الجديد على قانون المواطنة الذي يفرض على غير اليهود للحصول على الجنسية وتقديم الولاء لإسرائيل «كدولة يهودية وديمقراطية» والذي يهدف الى خلق عداوة دائمة بين اليهود وغير اليهود-أي الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين -فاليهود عاجزون عن تأكيد هويتهم ما لم يتم اخضاع وسحق الفلسطينيين عبر الطلب إليهم أداء قسم الولاء والذي سيفقد معناه طالما أن «اسرائيل»لايمكنها أن تكون يهودية وديمقراطية في آن معا. والسبب أن اليهودية القائمة على العنصرية والتمييز العنصري تتعارض تعارضا كليا مع الديمقراطية، (وهذا ما أظهره استطلاع أجرته اليومية الاسرائيلية يديعوت احرونوت، أن حوالي 2 من ثلاثة اسرائيلين قد أعطوا موافقتهم على التعديل الجديد).
زد على ذلك، عندما يؤكدون أنهم يهود قبل أن يكونوا ديمقراطيين، فإن هذا يعطي الحق للنظام الفاشي الممثل بشريكي الحكم ليبرمان-نتنياهو أن يفرضوا على العرب في داخل « إسرائيل» نظاما قانونيا أدنى، وإظهاره على أنه حالة «طبيعية» طالما أن اليهود يشكلون الأغلبية الساحقة.
هذا، وقد أكد مؤخرا وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان على الساحة السياسية الدولية أن حرب «اسرائيل» ضد الفلسطينيين هي حرب أبدية. و«اسرائيل» تعرف كيف تستغل الوضع الدولي لمصلحتها. فهي خامس قوة دولية مصدره للسلام، واقتصادها في حالة ازدهار رغم الركود الاقتصادي العالمي.
و«اسرائيل» هي أحوج ما يكون لعدو داخلي وخارجي في آن معا للحفاظ على الشعور الدائم بالطوارىء لمواجهة خطر داهم يدعوه الاسرائيليون بـ «اللاخيار».
فهذا «اللاخيار» يجبر اليهود على مواصلة استيطان فلسطين أو الدعم اللامشروط للدولة الصهيونية «المخلصة» التي تمثل لكل يهودي وثيقة تأمين على الحياة في مواجهة معاداة السامية التي تساهم هي نفسها في ايجادها أو تغذيتها.
و«اللاخيار» أجبر الدولة المنضوية تحت راية الأمم المتحدة على خرق فاضح لشرعتها القائمة على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وذلك بالاعتراف بـ «اسرائيل». وكذلك أرغمتهم على قبول المعاهدة السياسية المفروضة. وصهيونية الحرب الأبدية في الأراضي المقدسة وعلى امتداد المنطقة برمتها، لأن هذا الاذعان والخضوع هو «حق» أو دين مستحق يلزم الجميع تحمل تبعاته من خلال الإبادة الجماعية التي ترتكبها عصابة من النازيين المتعصبين الذين وحدهم يتحملون وزر هذه المجازر.
«اللاخيار» لقتل الفلسطينيين العزل، وذلك بحرقهم بالفوسفور، وبأسلحة أوروبية، وأخرى محرمة دوليا، والتي وحدها «اسرائيل» من يمتلك هذه الأسلحة، وقد حولت غزة الى حقل تجارب بسماء مفتوحة.
و«اللاخيار» لاعتراض المساعدات الإنسانية، وقتل المواطنين الأتراك على متن أسطول الحرية وفي المياه الدولية، لأن «اللاخيار» هو مواجهة خطر داهم. وفي هذه الأيام، من يتصور أن «اسرائيل» المدججة بالسلاح بما فيه السلاح النووي، يمكن أن تدعي«الدفاع المشروع عن النفس» لتبرير ما لا يمكن قبوله أو تبريره.
إن خطر تعديل قانون المواطنة يمضي أبعد من تفرقة أو تميز عنصري إزاء أقلية فلسطينية والتي هي في الأساس مستهدفة. فما خفي كان أعظم، أي إضفاء الطابع القانوني على عمليات التزوير التي قام بها الصهاينة على التاريخ الفلسطيني ، وأن الاعتراف بيهودية «اسرائيل» كدولة يهودية، هو الاعتراف بالرواية الملفقة عن تاريخ اليهود في فلسطين و«حقهم التاريخي» في الأراضي المقدسة، وبالتالي رفض الاعتراف بحق عودة الفلسطينيين الى أرض أجدادهم، بل وبكل بساطة مواصلة العيش على 20 بالمئة تقريبا من فلسطين التاريخية التي استولى عليها الصهاينة بالقوة واحتلوها منذ عام 1967، وكذلك رفض الاعتراف للفلسطينيين بحق البقاء فيما يسمى الكيان الصهيوني ، وحق مواصلة العيش فيه- وبعد هذا، هل يمكن حقا الحديث عن اقامة دولة فلسطينية، طالما أن هذا الكيان لايبدي أي اهتمام وعن قصد بتعيين حدوده؟!-ما يعني القضاء وبشكل مبرم على وجود فلسطين لكيان سياسي وجغرافي موضح بالخرائط و موثق تاريخيا- وحتى قبل أن يقرر الصهاينة الاستيلاء على فلسطين لاستيطانها، قامت الأمم المتحدة وبضغط من الامبراطوريات الاستعمارية القديمة والحديثة بتقسيم البلاد ظلما وعدوانا، ودون استشارة الشعب الذي يعيش فيها منذ قرون.
إن هذا التعديل على قانون المواطنة يشكل جزءا لا يتجزأ من المخطط الصهيوني الأكبر لتزوير التاريخ تمهيدا لاستملاك البلاد، أي فلسطين التي لا ينتمون اليها، لشرعنة وجودهم اللامشروع، ولترسيخ سياسة كيان قومي زائف وهجين الذي يتغذى من الخوف والحقد الذي بسبب وجود شروط نهايته من خلال عملية التدمير الذاتي لأن النظام الصهيوني اختار طواعية الحرب التي تحمل في طياتها تهديده الوجودي والمهيأ في أي لحظة للانفجار ومن ثم الانهيار والزوال.
بقلم: ميريام ابراهام