وأيضاً الأمراء والملوك والسياسيين, وبطريقة وثائقية. ليلي ذلك صراعُ النطقِ بأبجدية الحضارات, ومنذ أزليتها مروراً بتطورها ومكانتها ووصولاً إلى زوالها أو استمراريَّتها, لتصبح العدوى جداً مفيدة ولاسيما بأن ما يحتاج إليه المشاهد من معارفٍ موجودة لا يتوقف لدى حدِّ ولا لحظةٍ مولودة..
نبدأ ب (الجزيرة وثائقية) القناة الأكثر سعياً وجهداً والتزاماً بالمسؤولية, والتي ولأنها منذ انطلاقتها آلت على وقتها ألا تقدِّم إلا ما يعكس بحثها, استطاعت أن تجذب المشاهد وتحديداً ثاقب الرؤية المعرفية, ليُشهد بتميُّزها في إتقانِ اختيارها لموضوعاتها ودقة ملاحظاتها وأيضاً انتقالها الدؤوب حيث مكان وزمان الحدث, ومن خلال شهادات ووثائق واعترافات, وبلسانِ كل من عاش أو سمع أو دوَّن ما التمس.
عن الحضارات القديمة روت الغريب والكثير, وبما جعلنا ندرك كيف ابتدأت رحلة الحياة وإلى ما باتت عليه تسير.. عن القبائلِ والشعوب قدَّمت ما عرفنا من خلاله عاداتهم وتقاليدهم. ثقافتهم وصناعتهم. حروبهم ومقاومتهم. آثارهم, كنوزهم, قادتهم, وسواء كانت تلك الشعوب بائدة أم مازالت رائدة..
أيضاً, عن المناضلات الجزائريات الأحرار.. عن القديسات وخصوصاً من لاقت منهنَّ أبشع نهاية على يدِ الاستعمار.. عن السجناء في العالم وسواء كانوا معروفين أم في ذمة الأسرار.. عن المبدعين وكتاباتهم وعن المفكِّرين والفنانين و معاناتهم.. عن المخترعين والمكتشفين وأدواتهم, وعن كلِّ ما جعلنا وكأننا أمام قصة الحضارة يرويها من أتقنَ فن امتلاك وقت المشاهد وثقافته وحضارته..
لا يتوقف جهد (الوثائقية) لدى هذا الحد, لتقوم أيضاً بتقديم كل ما يؤكِّد على سحرِ الشرق, وعلى ما تركه الرحالة العرب من أثرٍ حضاري وثقافي لدى الغرب.. وتضيف, عن ذاكرة المدن الشعبية, وعن مراحل تطورها العمرانية والصناعية والتجارية والثقافية, وعمَّا فعلته فيها الدول الطامعة والاستعمارية. عن الأميرات المهيمنات وعمَّن استطاعت منهنَّ أن تبقى في مصاف الخالدات والمؤثِّرات..
نكتفي, ودون أن نسعى إلى تعداد المحطات التي أصيبتْ بعدوى البرامج الوثائقية, أو التي رغبتْ في تغيير سياستها واقتناص ما أُحِلَّ لها من مواضيع تنويرية, ليبقى من واجبنا متابعة مضامينها الفريدة والاستفادة من كل ما فيها من معلومات قيِّمة ومفيدة.
ننتقل إلى (التربوية السورية) التي ومن عنوانها يتَّضح مضمونها, وهو رصد المعارف وعرضها والتنقيب في ذاكرة وثائقها وصنَّاعها, وبهدف التذكير بضرورة تأهيل ثقافة المشاهد ولاسيما في ظلِّ تراكم العديد من الفضائيات التي تجذبه رغماً عن وعيه, وإلى ما شاء جهل أهدافها يسعى للحطِّ من شأنِ ما ينير عقله.
أخيراً, إن ما نأملهُ مثلما جميع المشاهدين, انتشار المزيد من عدوى الوعي الوثائقي بين جميع الفضائيات, وعلى سبيل تقديم ما يرفع من قيمتها وشأن ما تسير عليه من سياسات, علَّها تغسل شاشات جهلها بعظمةِ ما تيسَّر لها أن تقدمة ولا يخلو من ثقافة المعلومات..