تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بداية النهاية

دراسات
الخميس 11/9/2008
د. صياح عزام

لاشك بأن حرب روسيا وجورجيا لها دلالاتها الحاضرة والمستقبلية إذ إنها ليست مثل أي حرب أخرى عابرة, وفي مقدمة هذه الدلالات اقتراب أفول انفراد الولايات المتحدة بالسيطرة على العالم,

فالحرب على الإرهاب التي بدأتها الإدارة الأميركية بعد 11 أيلول 2001 انتهت إلى فشل واضح, أما في العراق وأفغانستان فالفشل الأميركي أوضح, حتى إن علاقات واشنطن بحلفائها تتراجع إلى الوراء عاماً بعد عام.‏

في مرحلة تفرّد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم, لم تبق هناك حروب وصراعات مسلحة غير تلك التي تخوضها وتفجرها الولايات المتحدة هنا وهناك, وبالفعل لم تحصل حروب طوال عقود ما بعد انتهاء الحرب الباردة أي حروب بين دول ماعدا حرب الخليج الثانية غزو الكويت ثم تحريره, تلك الحرب التي خاضها بوش الأب بتحالف مؤلف من 34 دولة, فاكتسبت صفة (حرب العالم) لاحرباً عالمية وهي التي أسست فعلاً لمرحلة عالمية بلا حروب حتى جاء بوش الابن بصلفه وغروره, حيث اتخذ قراراً بغزو العراق دون أن يكلف نفسه عناء الحصول على إجماع دولي كما فعل والده قبل عقد من الزمن, ومعنى ذلك أن مبدأ استبعاد الحروب بين الدول أفضى واقعياً إلى انفراد واشنطن بصلاحيات إعلان الحرب دون أن يقف في وجهها أحد ودون أن تستشير أحداً وبالتالي احتكرت من خلال ذلك مقوماً أساسياً من مقومات سيادة الدول.‏

وهكذا, فإن حرب روسيا وجورجيا تمثل خرقاً لهذا الأمر, أي لم تعد الولايات المتحدة هي صاحبة القرار في إعلان الحرب هنا وهناك فقط, علماً بأن روسيا كانت مضطرة لهذه الحرب بعد إقدام جورجيا وبتحريض ودعم من أميركا وإسرائيل على محاولة ضم أوسيتيا إليها, امتداداً للمحاولات الأميركية الأخرى المتعلقة بالسعي لتطويق روسيا وتحجيمها عبر التغلغل في الدول المجاورة لها لإضعافها ومما يجدر ذكره أن جورجيا هي دولة حليفة للولايات المتحدة, بل وحليف أثير, فواشنطن تزعم أن جورجيا مثال للتحول الناجح.‏

باتجاه الديمقراطية بين جمهوريات القوقاز (ولكن ديمقراطية على الطريقة الأميركية) وبلغ الدعم الأميركي لجورجيا درجةً تبنت معها واشنطن ترشيحها لتصبح عضواً كامل العضوية في حلف شمال الأطلسي.‏

إن حرب روسيا وجورجيا إذاً شكلت رداً حاسماً على التحديات الأميركية, وتحدياً روسياً واضحاً للنظام العالمي الأميركي الذي تشكل أعقاب الحرب الباردة على أساس أحادي, بمعنى أن تكون الهيمنة فيه لأميركا وحدها دون أي مشاركة من أحد, وبهذا تدشن هذه الحرب عصر التعددية القطبية, فالعالم لم يعد يطيق السيطرة الأميركية الفجة على الدول, والتدخل في شؤونها الداخلية كما تتصرف الإدارة الأميركية التي يسيطر على قراراتها في مجال السياسة الخارجية المحافظون الجدد الذي ينطلقون قبل كل شيء من مصالحهم الخاصة دون أي مراعاة لمصالح الشعب الأميركي.‏

أما الاتهامات التي توجهها واشنطن لروسيا بأنها تريد العودة إلى أجواء الحرب الباردة فهذا محض افتراء, ولا أساس له من الصحة, فروسيا عملت فعلاً على طي صفحة الحرب الباردة نهائياً وعدم العودة إليها إلا أنها فوجئت بأن الطرف الآخر وبالتحديد الولايات المتحدة, تسعى إلى تحجيم روسيا وإنهاء دورها على الساحة الدولية, ومعاملتها كدولة صغيرة تدور في فلك السياسة الأميركية, ولم تحترم سيادة روسيا الوطنية ومبادراتها باتجاه ترسيخ التعاون الدولي, وحل المشكلات الدولية عن طريق الحوار وليس عن طريق القوة.‏

من هنا اختارت روسيا وبعد صبر طويل الرد الحاسم على محاولات تطويقها واستفزازها, وقطعت الطريق على محاولات واشنطن الإبقاء على روسيا بلداً ضعيفاً يعتمد على الولايات المتحدة, ويتصرف بأمر منها في مجال السياسة الخارجية, ذلك أن الشعب الروسي له تقاليده الوطنية والقومية العريقة فهو يرفض الخضوع لإرادة وهيمنة الآخرين.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية