|
خسائر مزارعي الخضار بدرعا تتواصل ..انخفاض حاد في الأسعار وارتفاع تكاليف الإنتاج مراسلون لأغلب المحاصيل الزراعية وخاصة الخضار منها وتجاوزت حاجة الاستهلاك المحلي. ورغم وفرة تلك المحاصيل فإن مزراعي المحافظة يجدون في كل عام صعوبات بالغة في تسويق الفائض ويتكبدون الخسائر المالية جراء بيعها بأسعار متدنية تقل عن كلفة إنتاجها. موسم البندورة ولنأخذ بعض الأمثلة من مواسم العام الحالي. ففي موسم البندورة لهذا العام وصل الإنتاج إلى نحو (250) ألف طن, وبما أن حاجة المحافظة لا تزيد عن مئة ألف طن في أحسن الأحوال, فهذا يعني أن هناك فائضاً في الإنتاج يبلغ (150) ألف طن, ونظراً لعدم وجود أسواق خارجية لتصريف وتصدير هذا الفائض بأسعار مجزية, فقد هبطت الأسعار وتحكم تجار أسواق الهال بدمشق وغيرها من المحافظات (بحسب قانون العرض والطلب) وهذا الوضع هو الذي جعل سعر الكغ من البندورة يتراوح في عز الموسم ما بين 2.5 - 3 ليرات فقط في حين أن كلفة إنتاجه تجاوزت ال (4) ليرات. حيث أكد لنا معظم المزارعين الذين قابلناهم في نوى وطفس ومزيريب وغيرها من المناطق المشهورة بزراعة البندورة بأن كلفة زراعة الدونم بلغت هذا الموسم (45) ألف ل.س بينما مردوده المادي لم يتجاوز ال (35) ألف ليرة. وعليه يكون متوسط خسارة مزارع البندورة قد بلغت في الدونم الواحد حوالي (10) آلاف ليرة وخاصة بالنسبة للمزارع الذي لا يملك الأرض ولا اليد العاملة. .. والبطاطا ولم يكن مزارعو البطاطا بدرعا في موسم العام الحالي أوفر حظاً من مزارعي البندورة. حيث تعرضوا كذلك لخسائر فادحة وغير مسبوقة في الأعوام السابقة ويقول المزارع عقلة الناطور: إن كلفة زراعة الطن الواحد من البطاطا بلغت هذا الموسم ما بين (75 - 100) ألف ل.س وذلك بحسب الصنف ومصدره, منها 32 ألف ثمن البذار الذي وزعته مؤسسة إكثار البذار على المزارعين المكتتبين والباقي لضمانة الأرض وأجور فلاحتها وزراعتها وسقايتها وغير ذلك من الخدمات الزراعية وقد اعتقد مزارعو البطاطا أن الإنتاج الوفير سيعوض عليهم التكاليف الباهظة في زراعة المادة ويحقق لهم أرباحاً جيدة لكن النتائج كانت مخيبة وجاءت الفاتورة خاسرة بامتياز. فعلى الرغم من وفرة الإنتاج التي بلغت نحو (9) أطنان في الدونم الواحد, فإن تدني الأسعار في الأسواق المحلية التي لم تتجاوز ال (8) ليرات في بداية الموسم جعلت المردود الإجمالي للطن من البذار ضئيلاً. وذكر لنا بعض المزارعين ومنهم محسن الناطور ومحمد ناجي الجندي وغيرهم بأن أسباب الخسارة التي تعرضوا لها هذا الموسم والتي بلغت 3 ملايين ل.س لكل منهما تعود إلى انخفاض الأسعار الناتج أصلاً عن عدم وجود أسواق محلية وخارجية لتصريف الفائض بالمحافظة والذي تجاوز ال (40) ألف طن هذا العام, إضافة إلى إرتفاع تكاليف الإنتاج. إذ بلغت كلفة زراعة الطن الواحد من بذار البطاطا حسب رأيهم نحو (100 - 110) آلاف ليرة. حيث وصل ثمن طن البذار من صنف دراجا في السوق السوداء (42) ألف ل.س. والمحاصيل الأخرى.. ولم تقتصر خسارة المزارعين هذا العام على محصولي البندورة والبطاطا فقط, بل شملت محاصيل أخرى كالفول, والباذنجان الذي يفوق إنتاجه هذا الموسم ال (30) ألف طن, والبصل الذي يقدر إنتاجه ب (40) ألف طن. حيث واجه المزارعون صعوبات بالغة في تسويق هذه المنتجات الزراعية وغيرها نظراً لزيادتها عن حاجة المحافظة, فالكميات الفائضة عن حاجة المحافظة لا تجد طريقها للتصدير الخارجي من جهة ولا يتم تصريفها في أسواق المحافظات الأخرى من جهة ثانية إلا إذا تم طرحها بأسعار متدنية جداً, وفي الواقع فإن هذه السنة لم تكن الأولى التي يتعرض فيها المزارعون بدرعا للخسائر المالية في بعض المواسم حيث وقعوا في خسائر مشابهة في بعض السنوات الأخيرة مثل خسارتهم في مادة البندورة عام 2006 التي بلغت نحو (10) آلاف ل.س في الدونم الواحد وخسارتهم في البطيخ التي بلغت مئات الآلاف في العام ذاته, ففي حين بلغت كلفة إنتاج الكغ الواحد (4) ليرات, فإن سعر الكيلو لم يتجاوز آنذاك ال (3) ليرات سورية. تعقيب إن مشكلات تزايد إنتاج الخضار بدرعا وما ينتج عنها من هموم وإرباكات وخسائر مادية كبيرة لا تعود لتجاوز الخطط الزراعية المقررة- كما يظن البعض- بل تعود لجهود المزارعين وزيادة وعيهم وإلى استثمارهم الأمثل للأراضي الزراعية واعتمادهم على استخدام البذور المحسنة وأساليب الري الحديث في زراعة حقولهم. وهذا يقودنا للقول إن القضية الأساسية التي تجعل من زيادة الإنتاج مشكلة اقتصادية تواجه المزارعين وتلحق بهم الخسائر المالية وتربك الجهات المعنية هي صعوبة تصريف الفائض من تلك المنتجات وعدم إيجاد أسواق خارجية لتصديرها وعدم توفر المعامل والمصانع المحلية الكافية لتصنيعها وتخزين بعض أصنافها. إذ لو توفرت الأسواق والمنافذ الكافية لتسويق هذه المنتجات الزراعية, لانتعشت زراعة هذه المحاصيل, وتحسن الوضع الاقتصادي, والمعيشي للمواطنين وربحت الحكومة. ونؤكد هنا بأن غياب دور الجهات المعنية بالتسويق كغرف الزراعة والجمعيات التسويقية والتنظيمات الفلاحية وعدم قدرتها على مساعدة المزارعين بدرعا أو غيرها من المحافظات في بيع إنتاجهم الزراعي سيعرضهم للمتاعب والخسائر المالية المتواصلة وربما يدفعهم أخيراً للابتعاد عن زراعة الأرض وهجرتها. إذ من غير المعقول أن يبذل المزارعون وأسرهم الجهود المضنية في بداية المواسم ويدفعون الأموال الطائلة لتوفير مستلزمات الإنتاج ثم يحصدون في نهايتها المرارة وخيبات الأمل والخسائر المالية.
|