تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فوكو ..الساخر من العقل والعقلاء

عن لوموند-
ثقافة
الخميس 11/9/2008
ترجمة : حسن حسن

رحل الفليسوف الفرنسي (ميشال فوكو) في الخامس والعشرين من حزيران 1984تاركا إرثا فكريا وفلسفيا متمايزا جدا ومثيرا للجدل ,

ليس في فرنسا فقط بل في اليابان أيضا والولايات المتحدة وألمانيا والسويد وتونس وكذلك في بولونيا التي شهدفيها أهوال الشيوعية فتحول من مناضل شيوعي إلى عدو للشيوعية . كاتب بارع ذو أسلوب مبهر لكن يرفض تصنيفه . كاتبا أو أديبا ..مؤرخا ضليعا ,لكن يرفض تصنيفه في عداد المؤرخين .. فيلسوف شمولي لكن يرفض تصنيفه فيلسوفا .. هذا بعض ماكانه (فوكو) وهذا بعض ما نلمسه في أعماله ابتداء من كتاب (تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي) و (أقوال وكتابات) مرورا ب (الكلمات والأشياء) وخاصة (اركيولوجيا المعرفة ) وأحداهم الكتب في عصرها (الرقابة والعقاب ) .‏

من هو فوكو ? إنه فيلسوف الأقليات المضطهدة في كل مكان وفي كل زمان مع كل المحاصرين والمبعدين والمعزولين في السجون. فهو يعرف كيف )يرسم لوحات تبرز الرمادي في الرمادي لجدرانها ,والأحمر في الأحمر لوسائل التعذيب(.‏

وعندما لامس صاحب (اركيولوجيا المعرفة) جدار ( الأناالعليا) الذي تواجه به السلطات والايديولوجيات جمهور المتسائلين انعطف نحو استقصاء ألغاز الجسد والشهوة .وأعلن عن جملة أولويات هي : حق المرأة في الحرية حق الأقليات الوطنية ...والحق في الاختلاف وكان ذلك شعاره أثناء انتفاضة أيار 1968 الطلابية ..الثابت (علينا أن نكون مختلفين ..الاختلاف في الرغبة والحرية . والجسد ) ..الثابت أن فوكو درج منذ أعوام طويلة على التشديد على أزمة الإنسان الغربي .وكان حنينه إلى الشرق منطلقا من هذه النقطة بالذات .. الشرق حيث تطلع الشمس ويطل الأمل لكنه لم يدرج تأملاته ومواقفه في نظام فكري منهجي وتطرق إلى نوعية القيم التي سادت المجتمعات الغربية في أزمة لامثيل لها .في هذا الإطار نشر تاريخ الفلسفة (1961) و) (الكلمات والأشياء ) /1965/ ومحور أساسي في الكتابين : (موت الإنسان) وأرسى قطيعة في الفلسفة الفرنسية عندما رفض أن يكون (ضمير الزمن ) وركز على العلاقات بين الذاتية والحقيقة في الغرب من زاوية مؤسسات الاعتقال والسجون والسجانين. وانطلق من تجارب جيله الممزق بين ماضي الدم واللعنة ومستقبل الآلة الصناعية التي هي في واقع فوكو عبارة عن سجن كبير . وطرح أسئلة نازفة حولها : كيف الوصول إلى الحقيقة وسط السجن الصناعي الكبير ? وماذا يجمع بين الإنسان في القارة اللاتينية .والإنسان في القارة الأوروبية ? وعن أي وحدة يتكلم المنظرون في مواجهة المواقف المتباينة والمساحات المختلفة ..? ? لذلك ضاعف فوكو من مداخلاته عن لبنان وبولونيا والتشيلي .. ولاحظ علاقات استراتيجية تخلو أحيانا من المنطق وتؤسسها دائرة المصالح المغلقة فحسب .‏

نلاحظ أحيانا أن فوكو ينحو منحى نيتشويا فهو يشدد على الادارة التي تثور التاريخ س.لكنه بالمقابل ينعطف باتجاه التركيز على مقتضيات أخلاقية ووالمعرفة والمنطق ويلفت إلى أن لاشيء في السياسة يرتدي وجه الحقيقة . في هذا السياق التاريخ مجموعة أخطاء وخطايا يفتديها الجسد بنزواته وأحلامه المحطمة وجاذبياته المشتعلة .‏

لكن أين موقع فوكو كرجل معرفة من السلطة? إنه موقع المثقف النموذجي الذي لا يأتمر إلا بأوامر نفسه ,ونفسه فقط ومن ثم دور المثقف : أن تجد شكل التعبير عن النضال المشاركة في تنسيقه البناء المتواصل للإطار الثوري الذي يستخرج منه الجديد في العمل والجديد في القول ( كما عقب الفيلسوف جيل دولوز أحد أكبر أصدقائه ) أو كما يقول ميشال فوكو بنفسه : (لما يكتشف المثقفون أن الجماهيرلاتحتاج إليهم لكي تعرف بل هي ربما أحسن منهم وتقول ذلك ببلاغة) .‏

لكن هناك نظام سلطوي يتصدى ويخطر ويبطل خطاب هذه الجماهير وهذه المعرفة .. وهكذا لم يعد دور المثقف هو الوقوف شيئا ما إلى الأمام ,أو شيئا ما إلى الجانب ليقول للجميع الحقيقة العاجزة عن التعبير عن نفسها بل النضال ضد أشكال السلطة حيثما يكون هذا المثقف ووسيلة لها : داخل نظام (المعرفة ) و ( الحقيقة ) و (الضمير) و (الخطاب) .لا شك في أن فوكو على غرار سارتر ومالرو حث المثقفين على انتهاج سياسية مواجهة مع السلطة وهو في كل المناسبات الدولية التي عاشتها باريس كان له جولة. .ومنذ أيار 1968 كان أول الذين يتوسلون دم الصغار لرسم معادلاتهم .في هذا الإطار زار إيران ,ومكث نحو شهرين بعد رحيل الشاه وعاش (الانعطافة ) في التاريخ الإيراني الحديث ومع فيتنام وكمبوديا والتشيلي ولبنان .. ندد ب (محرقة الإنسان) الذي يصفى من أجل تسويق الأسلحة .. والأحاسيس .‏

فوكو إنه آخر فيلسوف موسوعي سقط ضحية الأفكار والهواجس والأوهام, آخر الكبار الذين أعطوا الفكر الفرنسي وجها عالميا , كان أكثر التزاما بالعالم الثالث .. أي بالسراب والأوهام التي لاتغني ولاتسمن ..وقد يكون فوكو )منطقيا ( في جنونه حتى اللحظات الأخيرة ... إذ توفي في مستشفى المجانين راسما ابتسامة ساخرة من العقل والعقلاء .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية