تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الأحادية إلى أفول!

دراسات
الخميس 11/9/2008
فارس الجيرودي

تلقت الولايات المتحدة خلال شهر تموز الماضي ولأول مرة منذ نهاية الحرب الباردة صفعة في أروقة مجلس الأمن

وذلك بعد أن أوقف فيتو مشترك روسي- صيني مشروع عقوبات غربية ضد نظام موغابي في زيمبابوي, وقبلها وقفت الولايات المتحدة في السابع من شهر أيار الماضي متفرجةً فقط على تحرك حزب الله في بيروت واكتفت خلال ذلك بتحريك المدمرة كول إلى شرق المتوسط دون أن يكون لذلك أدنى تأثير في مجريات الصراع على الأراضي اللبنانية,‏

وأخيراً ومنذ أسابيع صرخ الرئيس الجورجي ساكاشفيلي على قنوات التلفزة الأميركية مستغيثا, بينما كانت القوات الروسية تدمر البنية التحتية العسكرية لبلاده وتقطع أوصالها, فجاءه الرد الأمريكي بأن أعلن مسؤولون كبار في البنتاغون أن القوات العسكرية الأميركية المنتشرة في جورجيا لا دخل لها إطلاقاً في النزاع الجاري بين جورجيا وروسيا, ويبدو أن ساكاشفيلي كان قد بنى قراره بالمبادرة إلى شن الحرب على روسيا على قاعدة مفادها أن لا دولة في العالم قادرة على التحرك عسكرياً خارج حدودها بفاعلية بمعزل عن الرضا الأميركي وهي قاعدة رسختها معادلات ما بعد الحرب الباردة, معادلات عالم القطب الواحد, فكانت النتيجة أن حصل الرئيس الجورجي على بعض الإدانات الأميركية اللفظية وعلى بعض المزاودات الانتخابية من طرف المرشح الجمهوري جون ماكين الذي رفع شعار (كلنا جورجيون في هذه اللحظة), بالمقابل تم تدمير البنية التحتية الجورجية وفقدت جورجيا السيطرة بشكل شبه كامل على إقليمي أوسيتيا وأبخازيا أي ما يعادل نصف مساحتها الإجمالية تقريباً, دون أن يلوح حليفها الأميركي باستخدام القوة ولو حتى تلميحاً.‏

كلايف كروك أحد كتّاب الأعمدة في الفاينانشال تايمز كتب مقالاً تحت عنوان ( واشنطن لاتزال مقيدة بالعراق) حلل فيه أسباب تخاذل الموقف الغربي عموماً والأميركي عن مساعدة الحلفاء وبالذات فيما يتعلق بالحرب الروسية - الجورجية وتوصل الكاتب في نهاية مقاله إلى أن هذا (الفتور) أو (الفشل) ناجم عن الإرهاق الأميركي في العراق والذي يشل تفكير واشنطن.‏

هي حرب العراق إذن مربط الفرس, ففي حين غزت أميركا العراق بناءً على مقولة نظّر لها المحافظون الجدد في الدراسات الصادرة عن مراكز أبحاثهم بدءاً من التسعينيات, وملخصها (أن احتلال دولة عربية كبيرة كالعراق سيؤدي إلى سقوط كل مواقع الممانعة في العالمين العربي والإسلامي كحجار الدومينو, وسيؤدي بالتالي إلى إحكام السيطرة الأميركية التامة على منطقة الشرق الأوسط وهي المنطقة التي تأتي منها أهم إمدادات النفط العالمية, حيث يمكن لأميركا بعدها ووفقاً لهذه النظرية أن تتحكم بمعدلات النمو الاقتصادي للدول الكبرى في العالم, كل ذلك وصولاً إلى قطع الطريق أمام نمو الدور السياسي لهذه الدول المؤهلة لمنافسة الولايات المتحدة على زعامة العالم), جاءت حسابات بيدر المحافظين الجدد معاكسة تماماً لحسابات الحقل العراقي وظهرت النتائج تقصيراً لحقبة الانفراد الأميركي بشؤون العالم بدل أن تأتي تأبيداً أو تمديداً لها, بل لا يبدو أن التخلص الأميركي من هذا المستنقع سيكون سهلاً سواء أكان القادم إلى البيت الأبيض جمهورياً أم ديمقراطياً فالانسحاب الأميركي الكامل من العراق اليوم يعني تسليمه لأعداء أميركا في المنطقة والاستمرار في هذه الحرب يعني استمراراً للاستنزاف الاقتصادي والعسكري لأميركا, حيث كلفت الحرب إجمالياً حتى اليوم ما يقارب 3 تريليون دولار وقدرت دراسة نشرها البنتاغون مؤخراً أن الجيش الأميركي بحاجة لفترة خمس سنوات على الأقل بعد إيقاف الحرب حتى يمكن إعادة تأهيله لخوض حرب جديدة وذلك بعد أن ثبت أن سلاح الطيران وحده ليس كافياً لحسم الحروب...... إنها أخبار سارة بالتأكيد للممانعين وللمقاومين في منطقتنا ويالمفارقة ...! فمن كان يتوقع لهم أن يكونوا أولى حجار الدومينو التي ستسقط نتيجة الحرب قد يكونون اليوم أكثر المستفيدين من تداعياتها‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية