تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


خيبة النجاح!!

دراسات
الخميس 11/9/2008
محمد عبد الكريم مصطفى

لم تعد حالة الفشل التي تحصدها الإدارة الأميركية على صعيد سياستها الخارجية غريبة أو مؤقتة, كما أنها خرجت

عن نطاق التحليلات والتوقعات التي كانت تشير إلى أن أي عثرة هنا أو عدم نجاح هناك هو بسبب ظهور عوائق تكتيكية مرحلية لا تنذر بالخطر ولا تدعو إلى ما يقلق الساسة الأميركيين على مستقبل الوجود المباشر لأميركا وتفرد إدارتها بأمور مناطق النزاع الساخنة على سطح الكرة الأرضية بعد أن نصبت نفسها شرطي العالم الوحيد, لكن الحقيقة غير ذلك تماماً, وصل معها الأمر إلى وجود خلل استراتيجي وجوهري في سياسة البيت الأبيض الخارجية أخذ يتلمسها كل من يتابع الأحداث والنتائج عن كثب, انعكس ذلك سلباً على الحياة اليومية للمجتمع الأميركي بكامله في ظل غياب أي أمل لتصويب الأخطاء وتجاوزها مع هذه الإدارة المتهالكة.‏

إن ما أصاب أميركا من كوارث في تاريخها القريب لم يهدد وجودها ومستقبلها بالقدر الذي يشكله الانخراط المباشر بمشاكل المنطقة واحتلال أجزاء منها, وإن ما هي فيه اليوم من تردٍ نتيجة طبيعية لتعنت إدارة المحافظين الجدد وتمسكهم في حمل راية الاستعمار الحديث والانطلاق إلى مرحلة السيطرة بقوة السلاح والاحتلال المباشر بغض النظر عن منعكسات ذلك على المصالح الحيوية للشعب الأميركي في العالم.بدأت الدعوات الصريحة تتعالى من الداخل الأميركي للبحث جدياً عن آليات جديدة لترميم ما وصلت إليه حالة الدولة الأعظم في العالم ليس على مستوى الجانب السياسي فحسب, وإنما ينسحب ذلك على الاقتصاد الأميركي العام الذي وصل إلى حد ينذر بالخطر ويحمل في طياته منعكسات اجتماعية خطيرة بدأت تظهر بشكل واضح الطبقات الشعبية, ما أثار حفيظة أهل المعرفة والقلم وحثهم للتحرك سريعاً لكشف مخاطر الاستمرار في هذه الخطط والدعوة لانتخاب إدارة جديدة مختلفة كلياً عن الحالية وقادرة على ترميم ما خربته إدارة الرئيس بوش المتسببة بكل هذه المآسي والدعوة لوقف استمرارها بسياستها الفاشلة التي تؤدي إلى الانهيار المتسارع على الداخل الأميركي برمته, ويعتبر هؤلاء الكتاب والمحللون أن التوافق السلبي الحاصل بين السياسة والاقتصاد كان نتيجة تهور الإدارة الأميركية في آلية اتخاذ قراراتها الاستراتيجية ونقل اهتماماتها خارج إطار المصلحة القومية العليا للأمة الأميركية, وإن هؤلاء الداعين إلى صحوة ضمير كتاب ومحللين أميركيين كثر لهم شهرتهم الواسعة في المجتمع الأميركي وخارجه, وتعتبر آراؤهم محط ثقة المواطن الأميركي, وفي مقدمة هؤلاء الكاتب والصحفي (توماس فريدمان) الذي قال في معرض تحليله للواقع الذي وصلت إليه الدولة العظمى وأي رئيس تحتاجه في المرحلة القادمة للإنقاذ: (لابد من رئيس إصلاحي يستنهض الأمة خلفه ويحشد قواها مثلما فعل أيزنهاور في السنوات الثلاث الأخيرة من عقد الخمسينيات) في إشارة واضحة منه إلى وصول الشارع الأميركي إلى حالة من الغضب وعدم الاستقرار في معيشته اليومية في ظل الوضع الاقتصادي المتردي, وتأتي هذه الدعوة من فريدمان وممن هم في مستواه لتشير بشكل واضح وصريح عن خيبة النجاح التي سعت إليها إدارة الرئيس بوش برغبتها على مدى ثمانية أعوام سابقة, من خلال زج قدرات المجتمع الأميركي في حروب وغزوات لم تكن قط على أجندة المصلحة الأميركية بالمطلق ولم تدرك إلى أي مدى يمكن أن تحقق الربح أو الخسارة في مثل تلك المعارك, في حين جاءت النتائج محملة بالويلات والكوارث على المجتمع الأميركي الذي فقد مجموعة من أبنائه ليس خدمة للأمة الأميركية ومصالحها القومية, ولكن من أجل إرضاء غرور الرئيس بوش الذي لم يفكر يوماً في الخروج عن طاعة الشركات الضاغطة التي ورطته كرئيس لدولة كبرى في مواقف لا تخدم إلا هذه الشركات ذاتها, وقد أصبح التراجع عن هذه المواقف والخروج من ساحة المعركة بهذه البساطة شبه مستحيل مهما حاول الرئيس بوش من تغيير برامجه وخططه, ولاسيما أن الأمور العامة في الداخل الأميركي وصلت إلى حالة عدم ثقة بالرئيس الحالي وإدارته أنه قادر على فعل أي شيء إيجابي, وقد يكون من السابق لأوانه التكهن إلى أي مدى تستطيع الإدارة الأميركية القادمة تغيير وتصويب ما وصلت الأوضاع على كافة المستويات نتيجة أخطاء السلف, ويؤكد هؤلاء الكتاب والمحللون في معرض انتقاداتهم لسياسة الرئيس بوش: إن إدارته وصلت إلى مستوى من الضعف لم تعد معه قادرة على مواجهة أخطائها مهما حاولت تغيير سلوكها وأكبر دليل على الانهزام تخلي الصقور عنها الذين كانوا هم الأساس في برمجة تلك السياسة وكانوا يمثلونها عقيدة وممارسة, وأن أطماعهم هي سبب دخول أميركا في حروب عبثية لم تخدم المشروع الأميركي الظاهري والذي كانت تدعو من خلاله إلى محاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية في العالم وخاصة دول العالم الثالث.‏

السؤال الذي يتبادر لذهن أي متابع هو: هل ستصدق نبوءات المحللين المناهضين للسياسة الأميركية, إن عهد الدولة العظمى أخذ يتلاشى ويتجه نحو انهيار يشبه في إطاره العام انهيار أمم وحضارات سابقة وصلت إلى درجة من التطور كانت فيه محط أنظار العالم كله? وهل قارب زمن السقوط الأميركي, ولاسيما أن أتباع الإدارة الأميركية وشركاءها بدؤوا ينسحبون من المشروع الأميركي بهدوء والعودة لبناء مواقف خاصة بهم بعيداً عن الإملاءات الأميركية? الأمر المحتم الذي يعترف به الأميركيون قبل غيرهم, إن واقع الأمة الأميركية في هذه الأيام ليس كما يشتهي المجتمع الأميركي شعباً وسياسيين, ولم تأت الدعوات لإعادة ترميم ما هدمته إدارة الرئيس بوش من فراغ, بل جاءت تعبيراً عن حقيقة واقعة يعيشها الشعب الأميركي وتمثل معاناته اليومية في السكن والغذاء وغيرهما, بات معها المواطن الأميركي يشعر أن المبالغ التي يدفعها للدولة من ضرائب ورسوم وغيرها وهي ضخمة جداً لن تعود إليه خدمات وتحسين مستوى معيشة وضمان لمستقبل أبنائه, وهذا ما ولد لديه مخاوف حقيقية وقناعة أن تلك السياسة ليست في مصلحة الشعب الأميركي, وهي من سيجلب الويل لكافة أبناء المجتمع الأميركي.‏

Email:m.a.mustafa@mail.sy‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية